من قصص الغموض البوليسي “لغز اغتيال عائشة” الحلقة التاسعة “زير النساء”
✍ بقلم: فايل المطاعني

كانت النقيب منى غارقة في دوامة من التفكير، عيناها مثبتتان على التقرير الذي سلمته لها الملازم حذامي. كل كلمة فيه كانت كخنجر يطعن يقينها بأن والد عائشة، الدكتور سامي، بريء. فكيف يتحول أبٌ مثقف، طبيب ناجح، ومرشح للبرلمان البلدي، إلى قاتل يفتك بابنته بوحشية؟
كانت تضرب مخدتها براحة يدها، كأنها تبحث بين طياتها عن إجابة. شعرها المنسدل على وجهها بدا كموجٍ هائج يتكسر على صخور الحيرة، وهي تهمس مرارًا وتكرارًا:
“لماذا يقتل الأب ابنته؟ ما الدافع؟”
لم تستسغ عقلها تلك الفرضية؛ رجل بسمعة لامعة، بمكانة اجتماعية رفيعة، يرتكب جريمة بشعة ثم يشوه الجثة؟! كان بإمكانه ـ إن أراد ـ أن يخطط لجريمة محكمة: في عيادته حيث كل الأدوات تحت يده، أو في إحدى رحلاته إلى لندن، حيث يكفي دفعها بين الرصيف والقطار لينتهي الأمر بلا ضجيج ولا دماء.
جمعت شعرها في ربطة واحدة، لكن خصلة متمردة انزلقت على جبينها، فأزاحتها بين الحين والآخر بأنامل تجمع بين نعومة الأنثى وصلابة الشرطية، تضيف لجمالها هيبة آسرة.
وبينما كانت غارقة في أفكارها، طرق أحدهم الباب طرقًا خفيفًا.
منى: تفضّل.
دخل العميد حمد، أخوها، وقد بدا عليه الأرق ذاته. جلس في أقرب مقعد وحدّق في ملامحها المتعبة، ثم قال بنبرة مازحة تخفي قلقًا داخليًا:
ـ “لا تكوني مشتركة في من سيربح المليون وتنتظرين اتصال جورج قرداحي؟”
ابتسمت رغم ثقلها وأجابت:
ـ “بل مشتركة في لعبة أخطر بكثير… لعبة البحث عن قاتل عائشة.”
ارتسمت على وجه حمد ابتسامة جادة وهو يقول:
ـ “ولا تنسي أيضًا صديقها نبيل عاشور. القاتل واحد، أراد أن يُحاكِم الدكتور سامي أمام المشنقة. أسلوبان مختلفان، لكن الهدف واحد.”
هنا قفزت منى من مكانها بحماس:
ـ “إذن، أنت تتفق معي يا أبا هزاع أن القاتل ليس والدها!”
ابتسم العميد ابتسامة الواثق، وقال بصوتٍ منخفض:
ـ “نامي يا منى، غدًا يوم جديد، وستنكشف الحقائق.”
★★★★
لكن النوم ظل بعيدًا عن عينيها. جلست تقلب التقرير مرارًا وتعيد قراءته سطرًا بسطر، كأنها تحاول انتزاع الحقيقة من بين السطور. الأدلة كلها ضد الدكتور سامي: لا شهود على خروجه أو عودته تلك الليلة، لا دليل على مكان آخر كان فيه، لا شيء ينقذه من قبضة الشك.
منى (تتمتم في داخلها):
“هذا الرجل لا يدافع عن نفسه… إنه يحمي أحدًا آخر. لكن من؟ ولماذا يختار أن يساق إلى حبل المشنقة؟”
فجأة، انبثق وميض فكرة جعلها تقفز من سريرها وترفع أصابعها بعلامة النصر:
ـ “وجدتها!”
فتحت درج مكتبها وأخرجت صورة الدكتور سامي. نظرت إليها مطولًا، وقالت:
ـ “رجل وسيم… والتقرير وصفه بـ زير نساء. لا بد أن امرأة كانت معه ليلة الجريمة، وهو يتكتم عليها ليحميها من الفضيحة والتحقيق. لكن من تكون؟”
أخرجت من الملف صورًا أخرى: صورة عائشة القتيلة، صورة والدتها، وصورة لعاملة المنزل. بدأت تقارن الملامح، تراقب التفاصيل، كأنها تبحث عن ظلّ أنثوي يختبئ خلف صمت الدكتور سامي. وما هي إلا لحظات حتى ارتسمت على وجهها دهشة كبيرة… لقد لمحت شيئًا لم يكن واضحًا من قبل!
★★★★
في الصباح، نزلت إلى قاعة الإفطار حيث وجدت العميد حمد يجلس مع العميد فؤاد. بعد التحية جلست وقالت بجدية:
ـ “سيدي العميد، أطلب إذنك باستجواب الدكتور سامي، وكذلك عاملة المنزل المشتبه بها.”
تبادل فؤاد وحمد نظرات سريعة، ثم أجاب فؤاد ببرود يخفي نفاد صبره:
ـ “الملف شبه مغلق يا نقيب. مسألة وقت وسيعترف الدكتور. لقاؤك به لن يغيّر شيئًا سوى إضاعة الوقت. الصحافة تتربص بالقضية، ونحن نريد إنهاءها قبل أن تتحول إلى قضية رأي عام. طلبك مرفوض.”
ارتسم الغضب في عيني منى، لكنها تماسكت. في داخلها، كان شعور أقوى يتعاظم: هناك سرّ مخفي… والوقت ليس في صالحها.
يتبع…
الحلقة العاشرة
★ عشماوي: المُكلف بتنفيذ الإعدام.