
بقلم . فايل المطاعني
دفنت نادية حبَّ حميد بين ضلوعها، وهي على يقينٍ أن رجلًا مثله لن يتكرر في حياتها أبدًا. كانت تهمس في سرّها:
“ما أقدر أتزوجك، وما أقدر أدمّر أسرة عشان أكون سعيدة… لكن سأبقى وفيّة لك، سأحبك كأنني لم أحب رجلًا من قبل، وسأشتاق إليك… إلى ضحكاتك، إلى همسك وأنت تقول: أ…ح…ب…ك”.
ابتسمت نادية بمرارة، ثم قالت مع نفسها ساخرة:
“يا لي من مراهقة… لكني متأكدة أنه يحبني، لا… بل يموت فيني. يكفي أن في بيته وردة تهمس باسمي. كل تصرفاته تقول إنه يعشقني، حتى وأنا أثقل عليه أراه يعرف أني أحبه… لكن إلى متى سأظل صامدة؟ إلى متى؟”
—
في بيت حميد
استيقظ حميد من نومه مضطربًا، ينادي زوجته بقلق:
– “زينب… زينب… زينب!”
فترد مستغربة:
– “خير! صباح الخير يا حميد.”
قال وهو يمسح جبينه:
– “ما أدري… حلمت حلم غريب.”
– “خير إن شاء الله… شو حلمت؟”
توقف قليلًا، ثم تنهد:
– “ما في شي… مجرد أضغاث أحلام. يلا، أنا طالع الدوام.”
– “انزين، صبر… افطر أول شي.”
– “لا، عندي شغل.”
ناولته قائمة وقالت:
– “خذ هاي الأغراض، وبعدها مرّ مدرسة ولدك أحمد. لا تنسى العباءة من الخياط، الخميس عندي عرس. وأهلي احتمال يزورونا اليوم…”
فقاطعها بابتسامة وطبَع قبلة على جبينها:
– “ما عليه، حبيبتي… أنا مستعجل. وكل اللي تبينه من عيوني.”
ارتسمت السعادة على وجه زينب، وردّت بدلال:
– “لا ويلومني ليه أغار عليك… حد عنده زوج مثلك وما يغار عليه؟ أنا أحارب كل الحريم عشان ما ياخذوك مني!”
—
خرج حميد، واستقل سيارته متوجهًا إلى المستشفى. وقف عند الاستقبال وقال:
– “وين مكتب الدكتور هاني؟”
فأجابه الموظف بدهشة:
– “آسف أخوي… ما عندنا دكتور بهذا الاسم.”
– “طيب… الممرضة نادية؟”
رفع الموظف حاجبيه:
– “نادية؟ أنا صار لي خمس سنوات هنا، وما سمعت بهذا الاسم. لا دكتور هاني، ولا ممرضة نادية. يمكن حضرتك غلطان في المستشفى.”
ارتبك حميد، خرج متثاقل الخطى، يتمتم:
– “معقولة… كل اللي عشته كان حلم؟”
أخرج هاتفه وراح يقلب الأسماء:
“نادية… نادية… نادية…”
لكن لم يجد شيئًا.
جلس في سيارته، يضحك بمرارة ويقول في داخله:
– “سبحان الله… نادية، حلم… مجرد حلم.”
ثم أدارت أصابعه المحرك، واتجه ليجلب عباءة زينب وبقية طلبات البيت، استعدادًا لقدوم أهلها. وبين ضحكة خافتة وزفرة طويلة، اختتم حديث نفسه:
“ربما… كل ما عشناه كان وهمًا عابرًا، أو ربما… حبًا خُلِق ليبقى سرًّا إلى الأبد.”
تمت بحمد الله