الثورة الجزائرية تتحدث عن نفسها في الادب الشعبي

مداخلة الناقد و الشاعر التونسي المتحلج طه عثمان البجاوي بالملتقى العربي السابع للادب الشعبي بالجزائر

نقلها محمد. غاني
قدم الناقد و الشاعر التونسي ذو الأصول الجزائرية في الملتقى العربي السابع للأدب الشعبي المنظم من طرف الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي برئاسة محافظ الملتقى رئيس الجمعية الشاعر الزجال توفيق ومان أواخر شهر نوفمبر 2022 بالمكتبة الوطنية بالجزائر تحت شعار تجليات الثورة الجزائرية في الأدب الشعبي و الذي حضرت افتتاحيته وزيرة الثقافة و الفنون الدكتورة مولوجي صورية قدم محاضرة قيمة بعنوان الثورة الجزائرية تتحدث عن نفسها في الأدب الشعبي نالت أاعجاب الجمهور الحاضر بالعشرات و الشعراء و المحاضرين العرب الممثلين لدول تونس و فلسطين و مصر و ليبيا و الصحراء الغربية و الجزائر.
لعل جل الدارسين والنقاد بالوطن العربي قد ظنوا الربط بين الثورة الجزائرية والادب الشعبي هو ربط خطي لا يتجاوز فكرة “سحر المحاكاة” ولعلي بهذه بهذه المحاضرة اقدم مقاربة موضوعية علمية لابستيمية ادبية جديدة تقطع مع كل الإنفعالات الحسية الهوجاء التي سقطت في فخ مقولة ان الشعر الشعبي كان يؤرخ للثورة الجزائرية وهو نفس الفخ الذي سقط فيه الدكتور طه حسين منذ الخمسينات حين اعتبر ان الشعر الجاهلي كان ناقلا تاريخيا للعصر الجاهلي في غياب تاريخي علمي موضوعي طالما ان الثقافة السائدة كانت ثقافة شفاهية وان التدوين والكتابة بدا بعد انتقال المجتمع العربي الاسلامي من سوسيولوجية القبائل المتفرقة الى مجتمع الدولة المدينة الموحد والواحد.
وعليه فان اي دراسة للعلاقة بين الثورة الجزائرية والادب الشعبي لايمكن أن تخرج عن رؤية سوسيولوجية وانثربولوجية دقيقة وموضوعية تطرح بانفاس الدياليكتيك التاريخي وذلك بتبيان العلاقة الجدلية الحقيقية في التأثر والتأثير بين الثورة والادب في الجزائر وخصوصا الشعر الشعبي الجزئري والعربي
والحقيقة اننا قد رفعنا كل القناعات المسبقة عن هذه العلاقة تجنبا الوقوع في الاطروحات الفكرية الأقنومية التي تغذيها أديوليوجيات مغلقة
لذلك ارتيأت ان اضع حجرة اساس لمقاربتي منطلقا من ” أدب ٱرادة الحياة ” بوصفه أدب حي واصيل يؤمن بالحركة ويرفض، الانغلاق
ولعلي بعد المؤتمر الدولي العربي عن فلسطين الذي أسسناه منذ عام بالاتحاد العربي لملتقى الاوطان والذي أردناه تحت عنوان : ” هكذا قالت الارض” حيث اعتبرنا فيه ان الارض والتاريخ هما حجرتا الزاوية في الثورة الفلسطينية ومن قبلها الثورة الجزائرية
المبحث الاول : ادب ارادة الحياة وقرينة الترابط بين الأداب والثورات
لعل الدارسين من النقاد للآداب والفنون بعد ظهور العلوم الانسانية بالنصف الاول من القرن التاسع عشر وتطورها بالنصف الثاني منه قد أكدو مع علم الانثربولوجيا ان الادب هو حالة انثربولوجية غير جامدة بل متحركة من خلال التفاعل مع محيطها الثقافي انفعالا وتفاعلا ونحن في الحقيقة نعارض بشدة التفريق بين الآداب وان الجدل القائم حول التمايز بين أدب فصيح واخر عامي او شعبي هو جدل عقيم لا يخلق حالة من المثاقفة الفاعلة طالما ان صراع الاضداد لا ينتج حركة في تاريخ الفكر والثقافة الا اذا كان صراعا منبنيا علي قرينة الحوار الايجابي بين الذات والاخر المشروط دياليكتيا بوقوع حالة الاعتراف بينهما وهوما يفند الادعاءآت بالتمايز بين شعر فصيح وشعر شعبي هو ان الثورة الجزائرية قد استوعبت النوعان معا
المبحث الثاني : انطولوجيا الوفاء للارض
لعل الاخيار المقصود والواع لعنوان الملتقى العربي السابع للشعر الشعبي : “تجليات الثورة الجزائرية في الادب الشعبي” برهانا كاف على كون الشعر الشعبي لم يكن مجرد ناقل لاحداث او وقائع تاريخية على الارض ولا هو مجرد انفعال عاطفي عابر بل هو عملية تماه مع الثورة لذلك كان اختيارنا لعنوان المحاضرة ب “الثورة الجزائرية تتحدث عن نفسها” تماهيا مع التجليات التي تحمل كمفهوم اصيل به عمق وحركة ودبيب بحيث ان التجليات تحمل مضامين تشكل الثورة الجزارية المجيدة في تمظهرات عديدة منذ بدايتها .. لان الثورة ليست حالة سوسيو _ سياسية عابرة وانما حالة انثربولوجية متجذرة في الارض والتاريخ وهو ما يؤكد ان تطور الشعر الشعبي كان بنفس تطور الثوار والثورة على الارض وهو يؤكد الرابط الدياليكتيك بين الثورة والادب لذلك اعتبرت ان الشعر الشعبي لم يكن حالة من المثاقفة الخارجة عن الثورة وانما هو وهج الثقافة المتجدد داخل الثورة بحيث ان الكلمة كان تناضل الى جانب الرصاصة في الجبل وقد أكد احمد مطر ذلك في شعره معتبرا ان الرصاصة تقتل مرة واحدة بينما الكلمة تحيي فينا ارادة الحياة..
والحقيقة ان أدب إرادة الحياة وللاسف الشديد صار مهملا من قبل الباحثين العرب وحتى الشعراء طالما اننا ولقرون بتنا وأقعين في فخ أدب المماتعة حتى اغفل عوام الادباء العرب وحتى خاصة خاصتها روح الادب ولعل الامتاع والمؤانسة كان قدر الغافلين عن حقيقة الادب كتعبيرة ثقافية والحال ان ابستيمية الادب تتجاوز الامتاع والمؤانسة وانما تؤسس الى رؤية معمقة في الإنسان نحتا في كيانه وبحثا في ماهيته وان بقى البعض للأسف في كهف الرؤية الكلاسيكية الجامدة فان للآداب المعاصرة قد نزعت عنها غبارا اكذب وصار الادب اليوم يؤسس لصراع الاضداد ويتنفس، جدل الفكر في التاريخ وتجاوز سادية الامتاع والتالي وانما يلخص لنا صراع الماساة والملهاة في قصة الانسان ولست البتة ناكرين وجود الامتاع والمؤانسة في الاداب والفنون وانما هو هذا الوجود فقط غلافه لا جمانه فهل تتحول الجسد الى روح والهيولي الى ماهية ولعل زرادشت العرب في ادابنا قد كذب علينا مرتين مرة عندما اقنعنا اننا أمة عبيد وجواري ومرة عندما ورد لنا فلسفة التبعية الاستعمار المارشالي الماكر
ف “الادب مأساة او لايكون” وليس مجرد تنظيم جيد ببليغ الكلام ومحسنات البديع وانما هو ثورة علي القبح بتاسيس الجمال وتفكيك للواقع بزرع الفضيلة واعلاء استتيقا الفكر فينا وليس ايضا عبادة للغرائر وتقديس للجسد وتكريس العهر والقبح
المبحث الثالث :سيكولوجية الشموخ والحماسة في الشعر الشعبي
كان الادب الشعبي بالجزائر طيلة قرون ومنذ القرن الخامس الميلادي ملتصقا باللاض ومتماهيا مع الهوية الثقافية للشعب الجزائري لذلك ومنذ ان وطأ المحتل الفرنسي الجزائر ارض الجزائر المجيدة فتح الشاعر الشعبي زناد كلمته بوصفها رصاصة مقاومة فتفطن المستعمر الفرنسي لخطورة الكلمة ومدى تاثيرها العميق على النفوس بتاجيج المشاعر الوطنية والذكاء روح المقاومة وتكريس ثقافة النضال الوطني
وطبعا كان الشاعر الجزائري هو المعلم الذي يدرب شعبه علي قيم الاستقلال والحرية ولعل هذه السيكولوجية الفريدة تتجاوز الاطروحة الفرويدية بوصفها تتجاوز فكرة اللاوعي الجمعي وايضا فكرة الإعلاء والتموية الى فكرة احياء النفوس واستيقاظ القلوب نصرة للوطن وذودا عن حرمته وشرفه وكأن الشاعر الجزائري _ كما سقراط يعلم الناس الحكمة والنور _
والحقيقة ان هناك فرق بين أناس يعيشون من اجل البقاء اشباعا للغريزة والجسد وارضاءا لسادية عقيمة ونرجسية مريضة وبين أناس يعيشون من اجل حسن البقاء ويتوقون للحرية والاستقلال هكذا كان الشاعر في الجزائر في القصيدة الشعبية وايضا في النص الفصيح اليداغوجي والمعلم وفاءا لأدب إرادة الحياة
لان المستعمر كان يروم ان يقتل فينا ارادة الحياة ويقتل فينا الشموخ ويقتل فينا الامل كان الشاعر الجزائري والعربي يزرع فينا هذا الشموخ في قلوب الناس.
المبحث الرابع :سوسيولوجية وحدة الثورة الجزائرية في النص الشعبي الجزائري
في الحقيقة ان كل المقاربات المنهجية حول تعدد النص الشعبي لا تطرح سيمائية جادة لهذا النص الادبي ولا يوجد نص اماريغي واخر عربي وانما من باب أولى واحرى ان يكون الاهتمام بالتمييز الحقيقي بين نصين ادبين أولاهما نص يصنع فينا ارادة الحياة لانه متجذر في الارض ونص بارد ليس به حياة و ليست به حالة الصدمة التي تصنع الحركة ولا استتيقا الجمال التي تحلم بإلكمال والنبل وانما هو باهت اخشب مقطوع الجناحين لا يتوق للطيران في سماء الحرية ولا متأصل في ارض الشموخ بل عربيد يتنفس اكسجان العبرلة في خيمة بيدبا
لانه لا يملك ملكة الاثارة والتأثير ولا نقصد هنا البتة إثارة الأجساد وانما إثارة العقول وتدريبها علي التفكر .. ولايمكنه هكذا ان يتحول إلى حالة إبداعية خالصة مواكبة ووفية لما يسمى بالدياليكتيك التاريخي.. وبالتالي فان النص الشعبي هو واحد وموحد به ثراء ثقافي يخلق ما يسمى بالوحدة الوطنية والهوية الثقافية الواحدة
ولعل هذا الثراء قد حسبه البعض سبيلا للفرقة والحقيقة ان سوسيولوجية الوحدة في النص الشعبي قد خلقت وحدة في الثورة والثوار بالجزائر الحبيبة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى