
في كل إنسان معركتان لا يراهما أحد: معركةٌ بين ما يُفكّر به، وما يُحِسّه.
العقل يقول له “تمهّل”، بينما القلب يصرخ “غامر”… وبين الصوتين، يولد التردد، وتبدأ الحكاية.
كثيرًا ما نحاول أن نبدو عقلانيين، متزنين، محسوبين في كل خطوة، لكن هناك لحظات تُربك هذا الاتزان، وتُربّي فينا سؤالًا لا ينتهي:
هل نحيا كما ينبغي… أم كما نشعر؟
وهل الحكمة أن نُقنع أنفسنا بالمنطق، أم أن نستسلم لتلك الومضة التي لا تبرّرها القوانين؟
يُقال إن العقلانية منارة النجاة، وإن المنطق هو الطريق الذي يحمي الإنسان من الضياع ..
لكن، ماذا لو كان الضياع أحيانًا طريقَ الاكتشاف؟
وماذا لو كان ما نعتبره “خروجًا عن المنطق” هو في الحقيقة عودةٌ إلى القلب الذي نسيه العقل؟
العقلانية تُنقذنا من الخطأ، نعم، لكنها كثيرًا ما تحرمنا من التجربة.
والمنطق يزن الأمور بعدلٍ، لكنه لا يفهم خفّة الإحساس حين يختار القلب ما لا يُفسَّر.
فنحن لا نحيا بالتحليل وحده، بل بالدهشة التي تسبق التفسير، وبالارتباك الجميل قبل القرار.
العقل يقول: لا تقترب، والقلب يهمس: اقترب أكثر،
العقلانية تُطالب بالتوازن، لكن الروح لا تعرف إلا الميل الكامل لما يُحبّها.
وفي المنتصف بينهما، يولد الإنسان الحقيقي… المرهف والعاقل في آنٍ واحد.
لا تبحث عن منطقٍ يبرّر شعورك، فالمشاعر لا تُقاس بالحجج.
ولا تُفسّر ما تشعر به لتُقنع الآخرين، لأن بعض الإحساس لا يُقال بل يُعاش.
العقلانية تجعلنا نبدو أقوياء، لكن المنطق كثيرًا ما يُعجزنا أمام ضعفٍ نبيلٍ لا نريد مقاومته.
فكّر… لكن لا تُطفئ نارك.
وازن… لكن لا تقتل اندفاعك.
تأنَّ، لكن لا تؤجّل الحياة باسم الحكمة.
إنّ أجمل لحظاتنا تلك التي لا نعرف فيها:
هل نحن نفعل الصواب… أم فقط نتّبع ما يُنقذنا من الجمود.
> حين يتصالح العقل مع القلب، يولد منطقٌ جديد… منطقٌ يُشبهك، لا يُشبه أحدًا سواك.



