
بقلم: فايل المطاعني
الجزء الاول .
على شاطئ البطح، حيث يلامس الموج ذاكرة المكان، وتتناثر الحكايات مع رائحة البحر، ولد رجال معاصرون ليكونوا شواهد حيّة على زمنين؛ زمن الأمس بكل أصالته، وزمن اليوم بكل تحوّلاته. زمنٌ سجل تاريخًا لجيل الرّواد بين تاريخ تصدح فيه رجالات التجارة والسفن العمانية والتنقل بين الامصار ، وبين معاصرة للانفتاح والتطور ونقلة في استراتيجيات التجارة الحديثة في دول الخليج العربي.
ليطلّ لنا رجل يتخلى عن اللقب الذي يسبق اسمة وهو (الشيخ) لانه يرى ان للشيخ افعال تُرى بالعين لا ألقابٌ تُردد بالالسن، مرددا المقولة ” أبو زيد معروف بدون سلاح” ، وهو محمد بن خميس بن جمعة بن علي (ود مصبح) الحشار. رجل حمل على كتفيه عبق البيت العود، ووهج المعرفة، ودفء الإنسان.
لم يكن مجرّد اسم في سجلّ الحياة، بل كتاب مفتوح من الحكايات، وذاكرة تمشي على الأرض، تحفظ تفاصيل صور كما تحفظ الأم ملامح طفلها.
وُلد في عام 1951م، الموافق 1370هـ، ونشأ في البيت الكبير لأسرة الحشار العريقة في مدينة صور ، ذلك البيت الذي شكّل ركناً من أركان التاريخ الاجتماعي والثقافي والتجاري لمدينة صور، والذي سبق أن تناولناه في حديثٍ سابق.
منذ طفولته، كان يحمل في عينيه بريق المعرفة، فغادر صور وهو في الثامنة أو التاسعة من عمره في سُفن صور باحثًا عن التعليم عبر رحلة الابحار. كانت محطته الأولى في السعودية، حيث استقر في حي “الصبيخة” بمدينة الخبر حيث كان يستقر بعضا من أهل صور ؛ ثم قادته رحلته العلمية إلى الكويت ليستقر مع إبن عمه الشيخ خميس بن علي بن جمعة الحشار والذي كان يعمل حينها في أحد البنوك ، متنقلاً بين مدارسها: النجاح، والشامية، وقتيبة، وكاظمة، والمرقاب؛ ثم تنقلة رياح التعلم والمعرفة ليشدّ الرحال إلى سوريا، قبل أن يستقر في دبي والتي كان يسكنها ويمارس مهنة التجارة فيها إبن عمه خميس وخالة الشيخ سعيد بن ناصر بن علي الحشار ، حيث التحق بثانوية دبي، وبقي فيها حتى عاد إلى عُمان في بدايات السبعينيات، ليبدأ مسيرته المهنية في وزارة الصحة.
لم يكن محمد خميس مجرد مرتحل للتعلم، فقد كان قارئًا نهمًا، واسع الاطلاع، شغوفًا بالتراث والثقافة، متابعًا لما يجري في العالم من أحداث وتقلبات. ويذكر أنه قرأ مجلد تحفة الأعيان ، للسالمي والذي وصفة بالكبير جدا في فترة هجرته في سوريا.
عشق مطابخ الدول التي إرتحل إليها وكان مولعا بالمائدة الشامية وخاصة في وجبات الإفطار. ولكن لا تزال ذكرى البحر لا تفارقة فقد تأسس على حب المأكولات البحرية بكل أصنافها. كما عشق النغم والترانيم لتعود ذكراه دائما لانغام بلادة صور والزاخرة بفنونها الشعبية.
يشهد له الناس بأنه شخصية ودودة متواضعة، قريبة من الشباب، يستمعون إليه بشغف وينهلون من نصائحه، كما ويستأنس به أبناء جيله في تذكر الماضي وحياة الطفولة والشباب. يحمل في ذاكرته تفاصيل التاريخ الصوري بكل أحيائه وقبائله ومنازله وحدود حاراته.
إنه رجل يجمع بين دفء الإنسان وثراء المثقف، قادر على تقريب القلوب حتى بين الخصوم، كما يجمع الأحبة حوله كبيرهم وصغيرهم. ومن أصدقائه في شبابه وإبن جيله الذي يكن له الإحترام والمحبة هو الأستاذ ربيع عنبر العريمي.
بدأ بالعمل في عُمان في مطلع السبعين في وزارة الصحة كما أسلفنا؛ ولكن التحوّل الأبرز في مسيرته بدأ عام 1972م، حين دعاه خاله الشيخ سعيد بن ناصر بن علي الحشار للعمل معه في مجموعة شركات الحشار التي أسسها بعد عودته من دبي ، وكان أبرزها إشراقة وكالة السيارات اليابانية (نيسان) والتي أشتهرت بأنها وكالة الحشار ليمتد التاريخ التجاري لأبناء صور في حلّة جديدة وحديثه ومتطورة ومتواكبة مع عصر النهضة.
ومن هناك؛ عرفه الجميع كالرجل الذي لا يملّ من العمل، يضع كل طاقته في خدمة الشركة، مؤمنًا بأنها امتداد لاسم العائلة وإرثها التجاري.
ولنا لقاء ….