مذكرة أدبية ١٣٩٩هـ (مبروك)

✍🏼 أحلام أحمد بكري :
بين يدي يوم جميل ، وددتُ أن أضعهُ على رفِ الذكريات..
تزاحمت الأسئلة في عقلي ذلك الصباح ، الساعة تُشير للسابعة ، أمي الحبيبة تُلبسني أجمل ما لدي من ملابس ، والدي الحنون ينتظرني بينما يتناول فطور الصباح..
.
كنتُ في السادسة من عمري عام ١٣٩٩هـ- ١٩٧٩م ، أصطحبني أبي معه للعمل ، وأنا أجهل سبب وجودي مع أبي ذلك الصباح ، لفت نظري مقر عمل والدي ، مبنى ذو الطوابق الثلاثة ، تجلى أمام ناظري شامخاً ، عندما هممنا بصعود السُلم حملني والدي على ذراعه الأيسر حتى وصلنا الطابق الثالث ، المبنى ممتلئ بالمكاتب والبشر ، يلقون السلام والتحايا الصباحية فيما بينهم بملامح مبتسمة مشرقة ، ويقومون بملاطفتي والمزاح معي بكلمة مبروك ، لم أدرك وقتها سبب المباركة..
.
وصلنا لمكتب والدي ، كانت هناك شرفة متصلة بحجرة المكتب ، أشرتُ له بإلحاح أن يضعني على سور الشرفة ، وبالفعل لبى طلبي ، وأجلسني على طاولة محاذية للشرفة ، ووقف بجانبي من باب الحرص عليّ ومراقبتي ، يُكمل بعض الأوراق..
.
منظر مدينتي جازان مبهرة ذلك الصباح فمقر عمل والدي كان بحي الجبل منطقة مرتفعة عن سطح البحر وأنا أنظر من شرفة الطابق الثالث بدى لي كل شيء جميل..
النظر للأشياء من علو نظرة شموليّة ، تكتشف من خلالها تفاصيل أكثر ، أجدى ، وأعمق من النظر عن قرب..
.
هناك بائعة (اللحوح) تحمله على رأسها مُغطى بقطعة من القماش الأبيض ، بينما الخضار وضعهُ بائعه داخل كرتون ورقي خلف الدراجة النارية منطلقاً به أعتقد نحو السوق ..
كما ظهر لي بعض تحركات أهل البيوت القريبة في أفنية الدور المكشوفة ، الأطفال يلعبون والأمهات ينظفن الفناء والأُخريات يسقين أشجار ردائم الفل ، التي لا تخلو منها منازلنا في جازان..
.
انتهى أبي من بعض عمله مُستأذناً منهم الخروج ساعة ؛ ليكمل عمل خاص به ..
أخذني من شرفة السعادة التى حلقت معها حول جزء بسيط من مدينتي ..
مازلت أجهل ماذا يريد أبي من اصطحابي معهُ..؟!
.
خرجنا من المبنى واتجهنا لمقر آخر عبر سيارته ، عند دخولي للمكان الجديد وجدتُ بعض من يعمل هناك يلبس الملابس البيضاء ويضع قطعة قماش على نصف وجهه..
دفع إليهم والدي ملف أخضر اللون ، قامو بكتابة بعض الأشياء ووضعوها فيه ، وأنطلق بي لحجرة بها كثير من الأدوات الطبية ، حضرت طبيبة حاورتني أثناء تجهيز إبرة ، وقتها أدركت أنني في مقر طبي وبدأ الرعب يسري في عروقي ، أمسك والدي بذراعي وغطى على عيني بشكل سريع ..
توقفت أنفاسي مع وخز الإبرة ووضع قطنة ولاصق موضع الإبرة ، أطلقني بعدها أبي وصفق لي طويلاً قائلاً لي : مبروك هذة تطعيمة دخولك المدرسة العام القادم..
حملني وخرج مسرعاً والدموع تطير من عيني بغزارة وأنفاسي لاهثة وصوت صراخي يتعالى..
.
تذكرت وقتها الشرفة وجمال المنظر ، فقد كانت تهيئة تسلية وتلهية من والدي ، قبل لسع الإبرة..