كنت ميتا فإحياني الله

🖋 صالح الريمي :- 

أتضحكون من دقة ساقيه لهي أثقل في الميزان من جبل أحد! هكذا علمنا صلى الله عليه وسلم كيف نقدر ثمن هذه الأعضاء وماهو ميزانها الحقيقي، ساق ابن مسعود رضي الله عنه كانت نحيلة جدًا لدرجة أنها كانت تلفت الأنظار وقد تثير الضحك لكنها لطالما حملت صاحبها إلى البر والخير والجهاد وقيام الليل وبذل المعروف والسعي في تبليغ دين الله لذلك هي أثقل في الميزان من جبل أحد..
وفاة الداعية عبدالله بانعمة وتفاعل الناس وتناقلهم لخبر وفاته وذكرهم لمحاسنهم، هذا الموقف يرسل لنا رسالة واضحة وعميقة أن الإعاقة الحقيقية ليست هي أن تتوقف أعضاء جسدك عن الحركة وإنما الإعاقة الحقيقة أن يتوقف قلبك عن الرغبة في التأثير وإحداث الفرق وتبليغ دين الله لمن حولك، وأن تتراخى عن حمل رسالتك ونقلها للناس، وأن تكون مثالًا لعجز الثقة وضعف الرجال.

*يقول الداعية عبدالله بانعمة عن نفسه:*
كنت قبل 31 عامًا اتمتّع بالشباب والصحة والعافية، وفي عام 1993 ميلادي ذهبت مع أصدقائي لممارسة السباحة، فقفزت بطريقةٍ خاطئة مما تسبب في حدوث كسر في رقبتي وبقيت تحت الماء لمدة 15 دقيقة تقريبًا، حتى أصيبت بإعاقة دائمة وشلل رباعي، ويكمل حديثه كنتُ ميتًا فأحياني الله، يعني قبل الإعاقة صحيح أنني كنت بصحة وعافية وجميع حواسي بخير، لكن كنت ميت القلب بتقصيري في جنب لله..
وبعد الإعاقة أعطى دروسًا للأصحاء، وقوةً وطموحًا لأهل البلاء! فكان عمره حافل بالخير والدعوة إلى الله بأسلوبه اللبق والمؤثر، الإعاقة لم تمنعه من نشر الخير فسبق في هذا المضمار غيره من الأصحاء بفضل الله ثم نيته الطيبة.

*يقول أحد مرافقيه:*
الداعية عبدالله بانعمة أصيب بالشلل الرباعي قبل 30 سنة، فأمضى زهرة عمره لايتحرك سوى رأسه
لكنه كان صابرًا خلوقًا مبتسمًا داعيًا للخير ومؤثرًا في الشباب، وكانت حياته مليئة بالمواعظ والدروس والعبر والفوائد والقصص لمن كان له قلبٌ حيٌّ وعقلٌ رشيد، فكان قدوةً لنا في التوبة إلى الله والصبر على البلاء وفي الدعوة إلى الله والثبات حتى الممات، نحسبُه كذلك ولا نزكيه على الله، رحمه الله..
وكان من أهل البلاء فلقد طال بلاؤه سنوات طويلة مع المرض، ونجح وتفوق في هذا الاختبار وآن له أن يعبر ويترجل ويستريح وتنتهي قصته في الدنيا وتبدأ في الآخرة بلا عذاب ولا بلاء ولا معاناة أو مشاق وصعوبات وألم، بل حياة طيبة رغيدة إن شاء الله بجوار أرحم الراحمين.

وفي عز معاناته كان ينثر التفاؤل في قلوب الناس وفي عز آلامه جعل من حياته درسًا للآخرين للصبر والاحتساب، ولم يكن يخيفه كما يقول في آخر كلماته: سوى ألا يبلغ رمضان شهر الخير والقرآن..
يا حظك يا ‎عبدالله بانعمة، ولو تعلم كم هم الأحياء الذين يدعون لك وقد فارقت الحياة، قد يكون منهم من جعلهم الله شهداء له في الأرض نحسبك – بما عهدنا عنك وسمعنا – والله حسيبك ولا نزكي على الله أحدًا، والله تعالى أرحم بك منّا.

*ترويقة:*
الجسد قالب صبت فيه الروح ليس عائقًا عن العمل الصالح لمن كان يرجو لقاء الله كما كان الداعية عبدالله بانعمة عاش بنعمة اللسان شاكرًا صابرًا كما نحسبه والله حسيبه، فأيُ همة كان يحملها وأيُ صبر كان يحمله وأي حبٍ للدين كان يقوده من مدينة إلى مدينة رغم وضعه الصحي ليذكر الناس بالله..
ان العين لتدمع وان القلب ليحزن وانا على فراقك لمحزونون، اللهم إنا نسأل أن تغفر لعبدك بانعمة وتتغمده بواسع ورحمتك ونسألك أن تستعملنا في طاعتك وتسخرنا لدينك يارب.

*ومضة:*
يبكي عليكَ القلبُ قبلَ الأعيُنِ
يا راحلًا بعد العناءِ المزمنِ
ينساب في يوم الوداع دعاؤنا
قطرات شهدٍ ذاب فوق الألسُنِ

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك* 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى