كواليس تغول الإدمان في قطاع غزة عبر أنفاق يديرها كبار المهربين الفلسطينيين للإضرار بالبلدين

القدس
الأقصى

 

القدس – لطيفة محمد حسيب القاضي

تتحول كثيراً من الظواهر في قطاع غزة بشكلٍ تلقائيٍ إلى أساطير؛ يلتف حولها الأخبار الشائعة وخاصة القضايا التي تُعد أخلاقية مثل ظاهرة إدمان المخدرات في مجتمع غزة المحافظ الذي يسيطر عليه العائلة، والقبيلة فيُعرف كل شخص بعائلته. إن الاعتراف بهذه القضايا يعتبر وصمة عار في مجتمع غزة.
يُعرف الإدمان: “هو استعمال سيئ لبعض العقاقير والكحول. أو هو بعض السلوكيات الغير صحيحة؛ لأن المدمن يصبح تحت تأثيرها، فيكون هذا واضحًا في جميع تصرفاته؛ والنتيجة أنه لا يمكنه الاستغناء عنها فتأثر عليه تأثيراً سيئاً من الناحية النفسية والعضوية والمزاجية”.
إن للإدمان أثارٍ مدمرةٍ على الفرد، والأسرة، والمجتمع؛ لأن المدمن يلجأ إلى ارتكاب العديد من الجرائم في حق نفسه وحق المجتمع باسره، والتي بدورها لا تتفق مع القيم والمجتمع الفلسطيني. وهذا بحد ذاته يعتبر حربًا على أبناء الشعب الفلسطيني.
وفي مقابلة مع شاب يحاول الإقلاع عن إدمان الترامادول قائلاً: لقد وقعت ضحية للإدمان من خلال رفقاء السوء فكان أحد من أصدقائي يعرض علي قرصًا، ولكنني في بداية الأمر كنت أسأل عن ماهية هذا القرص فكان صديقي يقول لي خذها، وسوف ترتاح وفي حقيقة الأمر كنت أرتاح كثيرًا. وتطور الأمر واستدرجني صديقي فكنت أطلب المزيد، ولقد حصلت على هذه الأقراص من أصدقائي وكان ثمنها 35شيكل أي ما يعادل 10 دولار للشريط الواحد، والآن أنا أتلقى العلاج في الجمعية الفلسطينية لرعاية ضحايا الإدمان”.
وعلى هذا المنوال فأن الواقع الفلسطيني يلعب دوراً كبيراً في تحديد أنواع المشكلات التي تواجه الشباب في أفق الحياة الفلسطينية المكبوتة وتؤثر عليهم تأثيراً سلبياً؛ لأنها تصب في عمق المجتمع.
في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني المقهور يشكو كثير ممن الشباب من الفقر والبطالة والجوع والحرمان فيتعاطى الشباب المخدرات بغية الهروب من المشكلات، ولقد أجري حوار مع بعض من شباب غزة فكانوا يشكون من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المشاكل الأسرية، وافتقار الشعور بالحب، والأمان، والحصار، والفراغ، والضغط المتواصل. ويقول واحد من الشباب:” إن الشخص الذي يتعاطى المخدرات هدفه الأساسي الهروب من المشكلات، ولكن مع الأسف الحقيقة المرة هي عكس تلك تماماً إذ يجد نفسه قد وقع في مشكلة أكبر لا يستطيع التخلص منها”.
ومن هنا ففي قطاع غزة أنواع مختلفة من المخدرات ومنها المسكنات مثل: الأفيون، والترامادول، والمورفين، والكوكايين، والهروين، والحشيش، والكحول، وعقاقير الهلوسة والعقاقير المنومة. والمنشطات مثل: الكوكايين، والقات، والنيكوتين.
ولقد أجرى الأستاذ الدكتور محمود أبو دف أستاذ وعميد التربية دراسة على إدمان المخدرات لشباب غزة وظهر من خلالها الأسباب المؤدية لتعاطي المخدرات في قطاع غزة قائلاً:” ترجع إلى عدة أسباب وعوامل ومن أهم هذه العوامل: ضعف الوازع الديني، التفكك الأسري، التنشئة الأسرية الفاسدة، رفقاء السوء، وقت الفراغ، وجود المال الوفير”.
ويرى فضل أبو متن أستاذ علم النفس أن:” كلما انتشرت المخدرات كلما أصبح الشباب سكارى لا يعرفون للحياة أي شيء”. ومن هنا تعتبر ظاهرة الإدمان هي ظاهرة خطيرة تضرب عصب الحياة وتقضي على شباب غزة.
ثمة دور أساسي لمؤسسات التنشئة الاجتماعية، وعلى رأسها الأسرة لمراقبة وتوعية وتوجيه أبنائهم لمخاطر الإدمان؛ لأن المشكلة تبدأ من البيت، وعلى كل أم أن تنتبه على ابنها في البيت.

انتشرت المخدرات في قطاع غزة بين الفئات العمرية المختلفة وخاصة الشباب الذين يبحثون عن اللذة العابرة، وصارت موضة في الجامعات. إن هذه الآفة تشل إرادة الأنسان. وتعرضه لارتكاب الجرائم، ونظراً للظروف التي يمر بها الشعب الفلسطيني. يؤكد الطبيب النفسي المختص د. فضل عاشور الذي يعالج مدمنين موضحًا: “أن انتشار تداول المخدرات كانت في السابق تنتشر بين الطبقات الفقيرة، والأقل علماً، ولكننا اليوم نجدها تنتشر في غزة بين جميع الطبقات وخاصة المتعلمين. ويؤكد أن غالبية المتعاطين حاصلين على شهادات علمية”.
تدخل المخدرات إلى قطاع غزة من مصر. عن طريق الأنفاق على يد مجموعة من الفلسطينيين الهاربين من القطاع إلى مصر؛ فعملوا على توريد المخدرات إلى غزة، ويتم ترويجها عن طريق التجار الكبار الذين يعملون على تجنيد شباب لبيعها.
حازم شاب فلسطيني يبلغ من العمر24عاما من جنوب غزة. هو الآن موقوف بتهمة الاتجار بالمخدرات ويروي حكايته قائلا: “لقد تناولت الترامادول للمرة الأولى عندما أصبت جراء قصف جوي إسرائيلي، وبسبب الآلام الحادة التي كنت أشعر بها كان لابد من جرعات كبيرة من هذه المادة المخدرة التي كنت اصرفها عبر وصفة طبية لمدة لا تزيد عن أربعة أشهر”.
لقد قام الأستاذ علاء الشريف بدراسة كان عنوانها ” الإدمان وعلاقته بالاضطرابات النفسية لدى مدمنين المخدرات في قطاع غزة” أكد فيها أن تعاطي المخدرات على اختلاف أنواعها قد زاد في فلسطين في السنوات الأخيرة أدى ذلك إلى ظهور أنماط من السلوك الغير صحي التي تصاحب الشخص المدمن؛ وتلك السلوك خطيرة أدت إلى تفتت الأسرة. وقد أخذت عينة من المدمنين للدراسة، وكانت نتائج هذه الدراسة أن أكثر أنواع المخدرات تعاطيا بين المدمنين الحشيش ثم البانجو. وأنه لا توجد فروق كبيرة في متوسط الاضطرابات النفسية تبعا لعمر المتعاطي أو حالته الاجتماعية.
تتمحور التأثيرات السلبية لتعاطي المخدرات في تغيير السلوك وهذا التغيير المفاجئ مصحوب بالامبالات والاهمال العام، الكذب، وفقدان الشهية، وكثرة التغيب من المنزل، كثرة النوم بشكل ملاحظ عليه، وعدم الاهتمام بالمظهر العام، عدم ترابط الأفكار، والسرقة يلجأ المتعاطي أحياناً للقتل.
يلاحظ على الشخص المدمن انخفاض في الوزن، ومشاكل في النظر، وشعور بالحزن، ومشكلة النسيان، وسرعة ضربات القلب، ومشاكل في الفم، مشكلات في الأنف، ضعف القدرة الجنسية، والعصبية، وآلام في الظهر، وعدم القدرة على التركيز.
يعد الإتجار بالمخدرات أو تعاطيها في غزة جرماً يعاقب عليه القانون الفلسطيني. بينما تقوم السلطات في قطاع غزة على مكافحة ظاهرة تعاطي المخدرات التي أصبحت تشكل خطراً كبيراً على المجتمع الفلسطيني فتجتهد الشرطة للحد من انتشارها فتعمل إجراءات قانونية تقع على تجار المخدرات والمتعاطين، وتصل العقوبة في بعض الأحيان إلى السجن مدى الحياة مع غرامات مالية حسب نوع المخالفة، وقد تصل العقوبة للإعدام.

التوصيات التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار تجاه هذه الظاهرة المدمرة لشباب غزة:
ضرورة التوعية بخطورة المخدرات، وتعزيز الوازع الديني لدى الشباب. تأمين المتطلبات المعيشية، وتوفير فرص عمل للشباب، وتدخل وسائل الإعلام من أجل عمل دراسة على هذه المشكلة، وإن الإدمان أدى إلى تدهور في العلاقات الأسرية وانحدار في منظومة القيم الإنسانية؛ لذلك يجب القيام بالمزيد من الأبحاث العلمية للوقوف على هذه الظاهرة، ومعرفة حجم انتشارها، وسبل الحد منها. أيضا الاستفادة من تجارب المجتمعات السابقة في معالجة الإدمان والعمل عليها في البيئة الفلسطينية. يجب توفير مراكز صحية متخصصة لعلاج الإدمان وتكثيف الجهود للعناية بهذه الفئة حتى نتجنب سقوطهم في الهاوية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى