زبيدة زوجة هارون الرشيد 3/3
✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
لما قال سلم الخاسر قصيدته فِي الرشيد:
قُلْ لِلْمَنازِلِ بالكَثِيبِ الأعْفَرِ
. أُسْقِيتَ غَادِيَة السَحابِ المُمطِرِ
قَد بايَعَ الثَقلانِ مُهْدِيّ الهُدَى
. بمُحمَّدِ بِن زُبَيدَةَ ابنةِ جَعْفَرِ
حَشَتْ زبيدة فاهُ دُرّاً فباعه بعشرين ألف دينار.
ومر القاسم بن الرشيد في موكب عظيم وكان من أتيه الناس، وأبو العتاهية جالس مع قوم على ظهر الطريق، فقام أبو العتاهية حين رآه إعظاماً له، فلم يزل قائماً حتى جاز، فأجازه ولم يلتفت إليه؛ فقال أبو العتاهية:
يتيه ابن آدم من جهله
. كأن رحا الموت لا تطحنه
فسمع بعض من في موكبه ذلك فأخبر به القاسم؛ فبعث إلى أبي العتاهية وضربه مائة مقرعةٍ، وقال له: يا ابن الفاعلة أتعرض لي في مثل ذلك الموضع…؟ وحبسه في داره. فدس أبو العتاهية إلى زبيدة بنت جعفر، وكانت توجب له حقه، هذه الأبيات:
حتى متى ذو التيه في تيهه
. أصلحه الله وعافاه
يتيه أهل التيه من جهلهم
. وهم يموتون وإن تاهوا
من طلب العز ليبقى به
. فإن عز المرء تقواه
لم يعتصم بالله من خلقه
. من ليس يرجوه ويخشاه
وكتب إليها بحاله وضيق حبسه، وكانت مائلة إليه، فرثت له وأخبرت الرشيد بأمره وكلمته فيه؛ فأحضره وكساه ووصله، ولم يرض عن القاسم حتى بر أبا العتاهية وأدناه واعتذر إليه.
ومن اللطائف أنه كان كل واحد من أبي صالح كاتب الرشيد، وسعدان بن يحيى كاتب زبيدة صاحب مصانعات. فدخل الرشيد يوماً عليها فقال: أما سمعت ما قيل في كاتبك:
صب في قنديل سعدا
. ن مع التسليم زيتا
وقناديل بنيه
. قبل أن يخفي الكميتا
إن سعدان بن يحيى. قد بنى للقُمط بيتا
قالت: ما قيل في كاتبك أشنع، فأنشدته:
قنديل سعدان على ضوئه
. فرخ لقنديل أبي صالح
تراه في مجلسه أحولاً
. من لمحه للدرهم اللائح
فاستحي الرشيد. ومن ثم قيل: صب في قنديله زيتاً إذا رشاه.
وفي صيد الذئب قال جحظة: اجتمعنا عند الرشيد فقال للمفضل بن محمد بن يعلى الضبي؛ وكان أحد الأئمة الفضلاء الثقات، وكان علامة في النسب وأيام العرب: أخبرني بأحسن ما قالت العرب في الذئب ولك هذا الخاتم، وشراؤه ألف وستمائة دينار، فقال: أحسن ما قيل فيه:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي
. بأخرى المنايا فهو يقظان نائم
فقال الرشيد: ما ألقى الله هذا على لسانك إلا لذهاب الخاتم، ورمى به إليه؛ فبلغ زبيدة فبعثت إلى المفضل بألف وستمائة دينار وأخذت الخاتم منه وبعثت به إلى الرشيد، وقالت: كنت أراك تعجب به؛ فألقاه إلى المفضل ثانياً وقال له: خذه وخذ الدنانير، ما كنت لأهب شيئاً وأرجع فيه.
ماتت زبيدة وهي أعظم نساء عصرها ديناً وأصلاً وصيانة ومعروفاً؛ في سنة ست عشرة ومائتين. وذُكر أن عبد الله بن المبارك رأى في منامه زبيدة، فقال لها: ما فعل الله بك…؟ قالت: غفر لي في أول معول ضرب بطريق مكة.