(أنا) ضمير المتكلم

 

في هذه الابيات كناية عن (نحن) بمعنى مشاعر وأحاسيس جماعية تراود فئات ليست بالقليلة في مجتمعاتنا العربية على اختلاف مسميات بلدانهم، نتشاطر سويا ما ينتابنا من انفعالات، مع الإصرار على العودة الى فلسطيننا والتمنيات للمهاجرين العرب الذين لجؤوا من أوطانهم هرباً من النزاعات وشظف العيش بالعودة الى بلداننا العربية التي تضّجُ في دمنا الماً واملاً وعشقاً.

– أعتقيني لوجه الله –

عندما ينخر الحزن عظامي
أرى وجهكِ مقبلاً يواسيني
من وراء الأفقٍ الباكي
تسأليني: ماذا حلّ بكِ يا ابنتي
أقول لكِ: أما بالإمكانِ أن تفكِ أسري من فلسطينيتي
أعلمُ انكِ تريدينَ لي ان أشدو كل صباح مع البلابلِ
ألا تسمعين ما يطلقهُ القناصُ على حنجرتي
قاتلاً في صوتي أغنيتي
علّ الموت أنساكِ ما علمتني
أن أكون أينما حللتُ ابنةَ قضيتي
ليتكِ حينها أخبرتني أين السبيلُ عند ضعفي
للإتكاءِ على عصا عروبتي
فلا أتعثرُ بالعجزِ في أمتي
يا أمي هَبي اني طعنتُ مقتلاً في كرامتي
فتجرعتُ قهراً أشدُ مرارةً من العلقمِ
ثم تضورتُ جوعاً على جمرٍ من العَوزِ والضيمِ
حتى تفحَّمت الغصةُ في حلقي من الظلمِ
ما من قحطانٍ ، غسانٍ ،عدنانٍ
أستجيرُ في مضاربهم من حُرقتي
هبي تمنيتُ أن أكون مواطنةً
من كينيا ، بلجيكا ، بوليفيا او الصينِ
سِيَّانِ يا حبيبتي لا تعتبي
ها قد لُفظَ المكلومُ الى الدركِ الأسفلِ
يتلظى‏ وحيداً في نار يأسهِ
يرددُ بين الفَينةِ والفينه شعر محمود درويش
“كل قلوب الناس جنسيتي
فلتسقطوا عني جواز السفر”
ليتَ هذا المبتغى في أحلامِ المبدعِ
يصبحُ مُطالاً هارباً من فضاءِ الشعرِ
كمَا الشهيقُ يعلو زفيرهُ دعاءً
يستجيبُ لهُ ربُّ السمواتِ والارضِ
يا أمي تصوري كيف كان شوقكِ الغائب ، الحاضرُ في روحي
ينكأُ جروحاً في قلبي
نازفاً أسىً في خاطري
وأنا أطّلُ يوماً من جنوبِ لبنان على شمالِ بلادي
فلا أستطيعُ أن أسَكّن أوجاعي
بأعشابِ (خربثةَ الحارثية) قريتكِ
أشهدُ أن دروبها رافقتكِ في رحلة اغترابكِ
فاختزلتْ خطواتُكِ من حنينكِ
أطولَ الطرقاتِ في مدن الانهاكِ
يا أمي داويني بحق الأنبياءِ
من عشقٍ للعروبةِ أورثتنيهِ، أصابني بالداءِ
أعتقيني لوجه الله
من عبوديتي لما مضى من الأمجادِ
فلا يكّبلني بكائي على أطلالِ الأجدادِ
يا أمي دعيني احومُ بين عواصمِ العالمِ
كنحلةٍ تلسعُ ضمائرَ حكامٍ
غطوا سباتاً بين ردهاتِ القصورِ
عفتّ عقولهم عن التفكّرِ
أن قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى
بين السكونِ ولحظةِ الانفجارِ
عجباً أهم حقاً أحياء، ام في عداد الأمواتِ؟!
لا عجَب ها هو شرقنا جلّهُ كربلاءُ
يرعفُ آلاماً عند بوابات المسجد الأقصى وعتبات الحسينِ
يا أمي قولي لي إذاً، ما هو الفرقُ بين الدمِ والماءِ
غطّى الأحمرُ القاني ما تبعثرَ من الأجسادِ مع الأشياءِ
تشبهُ رائحتهُ حنطةً اختلطت بأنفاس الفقراءِ
يا أمي أطلقِ سراحي من الضنكِ
دعيني أمتصُّ من رحيقِ الزهرِ مذاقاً
طعمهُ من المسكِ والكافورِ
فلا تضنيني قسوةُ الشعورِ بالجورِ
وأنا انتظر أياماً عند بوابة العبورٍ
أماهُ استودعيني عند الله يا حبيبتي
ها قد عصفت رياحُ الرحيلِ
ربما أنتهي غريقةً يلفظني البحرُ على شواطئ المهجرِ
أو أرتمي صريعةً على قارعةِ الطريقِ
من ذا الذي يلملمُ من مفترق غربتي
شجوناً نثرتها من وجدي
رباهُ ما زلت اسمع في تربتي
آهات الثكالى تُؤرّقُني
تعكر علىَّ صفو موتي
من ذا الذي يقرأ هويتي
في قبرٍ جماعيّ ضمَّ رفاتي
إلهي ها قد هلَّت عطاياكَ بالنعماءِ
كأني أسمع ضحكات الأطفالِ الانقياءِ
تعجُّ بها طبقات السماءِ
تنقشعُ غيومُ الحقدِ والبغضاءِ
ينبلجُ الفجرُ ميقاتاً مشرقاً بالسلامِ والصفاءِ
– عالية الشاعر-

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى