إحياء عادات الأجداد لإستدامة قيم إجتماعية متوارثة
رمضان بغرداية
كمال فليج _ الان
يعتبر شهر رمضان المعظم بالنسبة للعائلات بولاية غرداية (400 كم جنوب العاصمة الجزائرية) مناسبة دينية مقدسة لما تحمله من دلالات اجتماعية مصدرها عادات الأجداد الراسخة التي يتم إحياؤها لإستدامة وتثمين قيم اجتماعية متوارثة.
و تولي العائلات الغرداوية بمختلف أطيافها والتي تتشبث بقيم و تقاليد اجتماعية راسخة تنتقل من جيل إلى آخر, أهمية قصوى لهذا الشهر الفضيل والتي تتجلى في إحياء طقوس قديمة حافظت عليها منذ قرون.
و تبرز من بين تلك العادات التحضير لإستقبال شهر رمضان المبارك والتي من بين مشاهدها عمليات التنظيف و تزيين المساجد التي يقوم بها المصلون يتسنى لأماكن العبادة استقبال آلاف المؤمنين في ظروف جيدة سيما خلال السهرات الدينية وأداء صلاة التراويح.
كما يتعلق الأمر أيضا بتشجيع الأطفال على الصيام و الإحتفال باليوم الأول لصيامهم، إضافة إلى إعداد الأطباق التقليدية المحلية التي تنقل وصفاتها من الأم إلى البنت، والتي يتم تذوقها على موائد كل وقت إفطار سيما أثناء الإحتفال بليلة العشر أيام الأولى من شهر رمضان و ليلة القدر.
و تحرص العائلات أيضا في أن تكون كل ليلة متميزة عن الأخرى في هذا الشهر المعظم من خلال تقديم أطباق متنوعة و التي يتم الحفاظ على طريقة حضيرها لضمان مذاق و نكهة لذيذة.
و يتميز إحياء ليلة العشر أيام الأولى من شهر الصيام بتحضير طبق “البغرير” بالعسل، فيما يتم الإحتفال بليلة منتصف هذا الشهر المبارك بإعداد طبق الكسكسي المرصع بلحم الجمل، فيما يتم تناول أكلة “الشخشوخة” المسقية بعصير التمر ليلة القدر المباركة (27 رمضان).
و جرت العادة أن توزع تلك الأطباق على عابري السبيل، كما تتبادلها العائلات بمختلف الأحياء بغرداية، كما تتكرر طيلة هذا الشهر الزيارات الليلية بين الأقارب و الجيران.
و علاوة على مبادرات التكافل و أعمال البر والإحسان التي تعم الأجواء الرمضانية بالمنطقة، فإن العائلات تحرص أيضا على تحفيز أطفالها على فريضة الصيام، والتي تتوج بتقديم لهم هدايا، مصحوبة بأنواع من الحلوى التقليدية التي تدعى بالأمازيغية ” تاكدورت” (عبارة عن عجينة من السكريات).
و تظل أبواب المنازل بمختلف قصور غرداية مفتوحة على مصراعيها طيلة الشهر الفضيل، مثلما أوضح الشاب محفوظ من قصر بني يزقن، مؤكدا أن هذا الشهر المبارك يعد مناسبة لترسيخ قيم التضامن و اللمة العائلية التي تسودها نسائم الروحانية.
و لئن بقي هذا الشهر المعظم متميزا بإحياء عادات اجتماعية قديمة، إلا أن ذلك لم يمنع انتشار تكنولوجيات الإتصال الحديثة ، التي تستعمل لتبادل الوصفات الرمضانية بين ربات البيوت، وهي الوسائل التي تستخدم كذلك لتبادل التهاني بين مختلف مكونات الساكنة الغرداوية بمناسبة حلول شهر الرحمة والغفران.
و على غرار مختلف مناطق الوطن تستقطب المساجد العامرة المنتشرة بهذه المنطقة أعدادا قياسية من المصلين، والتي تؤدي دورها كأماكن للعب ادة والتقوى طيلة هذا الشهر الفضيل.
و تبرز أيضا من بين العادات الدينية الأخرى قراءة القرآن الكريم جماعيا في حلقات دون انقطاع عبر مختلف مساجد الولاية و التي لا تنقطع إلا في أوقات الصلوات الخمس، حيث تبدأ تلاوة سور كتاب الله العلي القدير عشية حلول شهر رمضان المعظم على شكل مجموعات صغيرة، التي تتبادل حلقات التلاوة دون انقطاع والتي تتوج بختم القرآن العظيم لعدة مرات.
و تساهم تلك العادات الإجتماعية المتوارثة بين سكان غرداية خلال الشهر الفضيل في تعزيز أسس تماسك المجتمع ، كما أنها تترك أثرا إيجابيا في سلوكيات الأفراد.