حكاية قطار ضواحي المنصورة.. مقهى متنقل بين التاريخ والقرى يقف مأسوفا بمخازن المحلج يحكي ذكرياتنا

الجيلاني أنور معلم خبير من طليعة السبعينات يقص رواية ومعالم خط الثقافة المتنقل داخل عربات القطار الفرنسي الخشبي لخط الشرق من ميدان أم كلثوم بالمنصورة وحتى أولاد صقر بالشرقية

 

 

 

كتبت – حسناء رفعت

لا تزال مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، تحتفظ بمعلم تراثى يواجه الاندثار، محطة قطار الضواحى، أو قطار الشرق، لنقل البضائع والركاب، المعروف بالمشروع الفرنساوى، أو القطار الفرنساوى، وعدد من عرباته الحديدية والخشبية، وجرار الفحم، وخزان لنقل المواد السائلة الذى كان يعمل بالفحم.

 

 

مشروعات قديمة اندثرت ولم يتم تطويرها بالرغم من كونها عصب اقتصادي واجتماعي يربط بين مفاصل محافظة الدقهلية، يأتي من بينها القطار الفرنساوي أو الديزل الذي عرف بأنه استثمار فرنسي داخل مصر لنقل الركاب والبضائع.

وظل الديزل تحت الإدارة الفرنسية التي كانت تدير مواعيده وصيانته لفترة طويلة حيث تم انشاء مبنى للمحطة كان يشتمل على مكتب ناظر المحطة به قطع التذاكر ومخزن للبضاعة وبه ميزان لتقدير قيمة نقل البضاعة لجهتها والدور العلوى به سكن ناظر المحطة وأسرته يصعدون اليه عن طريق سلم خشبي خارجي وكان أثاث السكن من الطراز الفرنساوي وعلى واجهة المحطة يوجد جرس يدوى كبير يدق عند اللزوم معلنا وقت وصول وتحرك القطار .

اما القطار فكان يتكون من جرار يجر ثلاث عربات للركاب مصنوعة ومسقفه من الخشب والسبنسة والعجل ومشتملاته من الحديد ومصمم للسير على القضبان الحديد التي كان مقاسها والمسافة بينها اصغر بكثير من القطارات المعروفة حاليا وبالتالي كان حجم العربات صغيرا.

 

ألبوم القطار الخشبي وصولا إلى الديزل

 

 

وعلى جانبي شريط السكة الحديد كانت توجد قوائم من الخشب تسمى خشب التليفونات تحمل اسلاكا بعدد خطوط التليفونات في ذلك الوقت وكذلك خطوط التليغراف وتتم عملية المقابلة بين القطارات بعد حدوث اتصال تليفوني بين ناظر المحطة والمحطات المجاورة والتليفون كان يعمل بالمنافلة وعند رفع السماعة وتدوير المنافلة يدويا يرن الجرس في كل تليفونات المحطات من المنصورة للمطرية ويردد الناظر اسم المحطة المراد الحديث معها ومن يسمع اسم محطته يرد ويتم التواصل والإتفاق.

وكان لميعاد الساعة الثانية عشر ظهرا الآتي من المنصورة أهمية خاصة حيث كانت به عربة تسمى عربة البضاعة بها أرفف ودواليب منظمة يدير العربة رجل مهم اسمه المحلاوي ينتظره المحتاج عند الوصول من المنصورة أو عند العودة من المطرية آخر النهار وذلك لإعطائه مثلا روشته طبيب أو تكليفه بشراء أي إحتياجات “ملابس، غذاء، قطع غيار، مجلات، حجز عند الدكتور” ويقوم المحلاوي بتسجيل الطالب والمطلوب في نوتة من كل القرى التي يمر عليها الديزل وذلك لتجهيزها وشرائها من المنصورة لتسليمها في اليوم التالي نظير مبلغ بسيط مقابل أداء الخدمة ثمن تذكرة الديزل من الكردي للمنصورة عام 1965 كانت 25 مليماً.

وكان الديزل الفرنساوى هو وسيلة المواصلات الرئيسية لندرة المواصلات الأخرى وقد أدى دوره في نقل الركاب والطلاب إلى مدارسهم.

 

الرواية والمعايشة بصوت معلم التاريخ جيلاني أنور طليعة جيل السبعينات

 

إلى جانب قطار الركاب كان يوجد قطار لونه أسود وصفارته مميزة يجر عربات لنقل الحيوانات “البهائم، الحمير، البغال، الخيول” وكذلك المحاصيل الزراعية “قمح، ذرة، أرز”وبشكل رئيسي محصول القطن الذى كان يُصدر للخارج بكميات كبيرة وكان مصدرا رئيسيا للدخل القومي لمصر.

وكانت محطة الكردى بالنسبة للقطار مهمة لأنه كان يوجد بها خزانات مياه عن طريق مضخة توصل المياه إلى جرار القطار لتبريد ماكينات التشغيل وكانت القاطرة تعمل بالفحم لضغط البخار عن طريق كباسات تحرك العجل.

 

وكان هناك ايضا قاطرة صغيرة جداً لا تجر عربات تحمل عمال صيانة وتحمل ايضا المرتبات لناظر المحطة مطلع كل شهر لذلك سميت “القباضة”.

واستمرار الديزل والقطار يؤديان دورهما إلى أن انتشرت وتعددت المواصلات البرية الأخرى واشتد التنافس في البداية ولكن كانت الغلبة للسيارات لسرعتها وتوقف عمل الديزل والقطار وقد حاولت الحكومة الفرنسية تشغيله وصيانته أكثر من مرة ليظل رمزاً لها في مصر ولكن المحاولات باءت بالفشل ولم يعد المعلم له وجود وللأسف كان في الإمكان أن يظل هذا المعلم أثرا سياحيا لتتعرف الأجيال على تاريخ أهم المواصلات في مصر والتي أنشئت في نهاية القرن الثامن عشر وظلت تعمل لأكثر من مائة عام.

حيث ظل قطار الضواحي يعمل علي ربط مدينة المنصورة بقري ومراكز المحافظة تقريباً من عام 1895 حتي عام 1990م وكانت محطته الرئيسية تقع في الطرف الجنوبي من محطة قطارات المنصورة بالقرب من “عزبة عقل” وكان خط سير القطار يبدأ بالقرب من نفق عزبة عقل وينطلق بشارع فخر الدين خالد حالياً ثم يعبر شارع الجيش “شارع المحافظة” ثم يمضي القطار رويداً مخترقاً كفر البدماص بشارع الدراسات ثم يكمل ليعبر البحر الصغير علي الجسر الحديدي والذي لازال قائماً حتي اليوم ثم ينطلق بعد ذلك صوب مراكز وقري المحافظة التي كان من الصعوبة أن تصل إليها الا بهذا القطار!.

 

شعر تأريخي لقصة القطار

 

 

صور ترصد تطور القطار ومراحله المكانية والزمنية بعد 100 سنة عمل حتى الآن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى