
خطورة التسرع في إطلاق التهم والأحكام
إن من أشد وأخطر ما ابتُليت به بعض المجتمعاتُ في هذا الزمان: التسرعَ في إلقاءِ التُّهمِ والأحكام دون تثبّتٍ أو بيّنةٍ، ذلك لأنه يؤدي إلى ظلم بيِّن قد يؤدي إلى إهدار الحقوق، وسهولة إهدار الدماء، وزعزعت الأوطان!!.
• فكم مِن نَفْسٍ بريئةٍ ظُلمت وقُهرت بمثل هذا التسرع؟!.
• كم مِن نَفْسٍ بريئةٍ أُزهقت ظلمًا؟!.
• وكم مِن أسرةٍ تمزّقت بذلك؟!.
• وكم مِن وطنٍ أضير، بسبب كلمةٍ متعجلةٍ أو شائعة أو ظنٍّ كاذبٍ أو حكمٍ جائرٍ بُنيَ على الأوهام؟! صدر من طيور الظلام.
لذلك أمر الله (سبحانه وتعالى) عبادَه بـ: التثبّت، والتروي، والتحري، والدقة، والاقتداء بأخلاق النبوة في صيانة الأعراض، وحفظ الدماء، وحماية المجتمعات من الظلم والفتن، وأرشدهم إلى درء الحدود بالشبهات، وإلى تحكيم العقل وانتهاج الرحمة والعدل في كل أمرٍ من أمور الحياة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6).
لا تطلقوا ألسنتكم أو أقلامكم إلا بالحق، فإن الله سائلكم عن كل ما تقولون وتفعلون، قال تعالى: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18).
ولنا في قصة أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) وقتله للرجل الذي نطق بالشهادة، والغضب الشديد الذي أبداه النبي (ﷺ) تجاه ذلك، المثل والقدوة والنبراس في ضرورة التروي، وعدم التسرع، والحفاظ على الحياة.
إن الإسلام هو دينُ الرحمة والعدلِ والإنصافِ…إلخ، لا يُجيزُ أبدًا لمسلمٍ أن يُطلِقَ حُكمًا إلا بعد تحرٍّ وتبيُّنٍ وعدلٍ؛ لأن الكلمةَ قد تدمّر، وعندها لا ينفع الندم.
إن التسرعَ في الأحكامِ خطير في حدود الأفرادِ، فما بالنا إذا تجاوز الأفراد إلى القبائل والمجموعات والشعوب؟!؛ عندها يصيب المجتمعاتِ في أمنِها واستقرارِها، فتُستباحُ الحرمات، وتضيعُ القيم، وتتحوّلُ الأوطانُ إلى ساحاتٍ للفتنِ والصراعات والاحتراب لا قدر الله.
وقد قال النبي ﷺ: (لَزَوَالُ الدنيا أَهْوَنُ على اللهِ من قَتْلِ رجلٍ مسلمٍ) (أخرجه الترمذي)، فما بالنا بالصراع والاحتراب؟!!.
ومن هنا، فإننا أحوج ما نكون اليوم إلى:
• أن نُمكِّن أنوارَ القرآن في شتى مجالات ومناحي حياتنا وحياةِ أولادنا؛ ليكونَ الحارسَ للعقول، والعاصمَ للقلوب والسلوك من السقوط في مستنقعات الفتن والانحرافات.
• وأن نتوضأ جميعا بأخلاقِ النبوة، لتتطهر قلوبنا ونفوسنا وحياتنا، ولتترسِّخ القيمَ المحمديةَ في سلوكنا وتعاملاتنا، فتشرقَ بها البيوت، وتسمو بها النفوس، ويستقيمَ بها المجتمعُ.
ومن هنا فإنني أناشد الجميع وأقول لهم:
تثبتوا في أقوالكم وأحكامكم وقراراتكم، قبل أن تنطق ألسنتكم، أو تكتب أقلامكم، أو تنشر آلياتكم الإعلامية أو منصاتكم على شبكات التواصل الاجتماعي؛ فرُبَّ كلمةٍ أو شائعة تهدم بيتًا، ورُبَّ حُكمٍ متعجلٍ يُريق دمًا أو يُشعل فتنة، والعياذ بالله.
عاملوا الناس بظواهرهم، ولا تحاسبوهم على نياتهم؛ فأنتم والله لا تعلمونها، فالله وحده مَن يعلمها وهو المطلع عليها، وهو الحسيب الرقيب.
عليكم بالرحمة واللين والرفق فهو زينة الحكم، وابتعدوا عن العجلة فإنها مزلّة ومهلكة، والتزموا العدل والإحسان فإنه أساس العمران وصمام الأمان.
ولا تطلقوا ألسنتكم أو أقلامكم إلا بالحق، فإن الله سائلكم عن كل ما تقولون وتفعلون، قال تعالى: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18).


