منوعات

قصة وطن لا يعرف المستحيل

الكاتبة ميرفت محفوظ

المستشارة الإعلامية في حقوق الإنسان وعضو المكتب التنفيذي إدراك وطن للتنمية المستدامة وممثل العلاقات الإستراتيجية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية. وممثل قناه نيوز العربية في جدة
كتبت أن اليوم الوطني السعودي الخامس والتسعون ليس يومًا يمر عابرًا بين الأيام، بل هو يوم يشبه الفجر حين يولد من رحم الليل، يوم يشبه القلب حين ينبض أول نبضة في حياة جديدة، يوم يشبه الصرخة الأولى التي تعلن بداية قصة لا تنتهي. إنه اليوم الذي لا يُقرأ كصفحة في كتاب، بل يُحسّ كنبض في الشرايين، ويُرى كضوء في العيون، ويُسمع كأغنية يرددها الملايين من أبناء هذا الوطن العظيم. خمسة وتسعون عامًا ليست مجرد رقم يكتب بالحبر على ورق، بل هي عمر أمة، وعز شعب، وذاكرة ممتدة من الماضي إلى الحاضر، ومن الحاضر إلى المستقبل.

حين نعود بذاكرتنا إلى البداية، نرى رجلاً واحدًا يحمل في قلبه إيمان أمة كاملة، رجلًا لم يعرف المستحيل، الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – الذي وحّد شتات هذه الأرض المترامية الأطراف، وجمع القبائل المختلفة تحت راية واحدة، وأعلن للعالم أن هذه البلاد التي كانت تبدو بعيدة عن الأضواء ستصبح يومًا ما قلب العالم النابض. لقد كان التوحيد معجزة في زمن الفوضى، وكان الأمل في زمن اليأس، وكان الحلم الذي تحول إلى واقع. رفع المؤسس راية التوحيد الخضراء، راية مكتوب عليها “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، لتصبح منذ ذلك اليوم هوية أمة وشعار وطن.

ومنذ أن ارتفعت تلك الراية، بدأت القصة تتفرع كأغصان شجرة مباركة، جذورها ضاربة في أعماق التاريخ، وأغصانها تمتد إلى عنان السماء. خمسة وتسعون عامًا من الكفاح والنهضة والإنجاز، سنوات عبرت لكنها لم تمر مرورًا عابرًا، بل تركت على الأرض بصمات لا تُمحى. تحولت الصحارى الجرداء إلى مدن تنبض بالحياة، وتحولت القرى البسيطة إلى حواضر عصرية، وتحول الاقتصاد البسيط إلى قوة عالمية، وتحولت المملكة من مجرد دولة وليدة إلى لاعب رئيسي في صناعة القرار الدولي.

اليوم الوطني هو اليوم الذي نسترجع فيه هذه الرحلة العظيمة، رحلة لم تُكتب بالحبر وحده بل كتبت بالدم والعرق والدموع، رحلة أبطال وقفوا في وجه المستحيل وقالوا: سنبني وطنًا بحجم أحلامنا. في هذا اليوم، نشعر أن كل ذرة رمل في هذه الأرض تنطق بتاريخها، وكل نخلة تروي حكاية صمودها، وكل جبل يردد صدى البطولات التي صنعت هذا الوطن. في اليوم الوطني لا نحتفل فقط بما مضى، بل نحتفل بما هو حاضر بيننا وما ينتظرنا في المستقبل.

خمسة وتسعون عامًا من المجد تجعلنا نقف اليوم بعيون مرفوعة نحو السماء وصدور ممتلئة بالفخر، نرى الإنجازات تتحدث عنا في كل مكان. المملكة اليوم هي أرض المشاريع العملاقة، أرض الرؤية الطموحة، أرض الأحلام التي تحولت إلى واقع. رؤية المملكة 2030 ليست مجرد شعارات، إنها وعد يتحقق أمام أعيننا كل يوم، وعد أن نكون في مصاف الأمم العظمى، وعد أن نثبت أن الطموح السعودي لا يعرف الحدود.

اليوم الوطني هو يوم يذوب فيه الفرح مع الفخر، يوم نرى فيه الأعلام الخضراء ترفرف في كل مكان، في الشوارع والبيوت والمدارس والقلوب. نسمع الأطفال يغنون للوطن ببراءة، ونرى الشباب يهتفون باسمه بحماس، ونشاهد الكبار يذرفون دموع الفرح وهم يتذكرون كيف كانت البدايات وكيف أصبح الحاضر. في هذا اليوم يصبح الوطن ليس مجرد جغرافيا نعيش عليها، بل يصبح كالأم التي تحتضن أبناءها، كالقلب الذي لا يتوقف عن النبض، كالحلم الذي لا يتوقف عن النمو.

خمسة وتسعون عامًا جعلت السعودية رمزًا للعزة والقوة، ليس فقط لأبنائها بل لكل العالم. فهي قلب الإسلام الذي يحتضن مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهي قلب الاقتصاد الذي يمد العالم بالطاقة، وهي قلب السياسة الذي يؤثر في مسار القرارات الدولية، وهي قلب الإنسانية الذي يفتح أبوابه للحجيج والوافدين، ويمد يد العون للمحتاجين في كل مكان. السعودية ليست مجرد دولة، إنها رسالة.

واليوم، ونحن نحتفل باليوم الوطني الخامس والتسعين، ندرك أن حب الوطن ليس كلمات نكتبها ولا شعارات نرددها، بل هو مسؤولية نحملها كل يوم. أن ندرس بإخلاص، أن نعمل بأمانة، أن نحافظ على بيئتنا، أن نرفع اسم وطننا في كل مكان. حب الوطن أن تكون مستعدًا لتضحي من أجله، أن تبني له ولو حجرًا صغيرًا في صرحه الكبير، أن تجعله دائمًا في قلبك أينما ذهبت.

في هذا اليوم تتجدد العزيمة في النفوس، ويتجدد العهد بين الشعب وقيادته، بين الأرض وأبنائها. نُجدّد البيعة والولاء للملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ونقول للعالم بصوت واحد: نحن هنا، نحن أبناء هذا الوطن العظيم، نحن السعودية التي لا تعرف المستحيل.

إن اليوم الوطني ليس فقط يومًا للذكرى، بل هو شعلة تنير لنا الطريق، وتقول لنا: كما صنع الأجداد المعجزات بالأمس، يمكنكم أن تصنعوا أنتم معجزات اليوم والغد. هو يوم يعلمنا أن الوحدة هي سر القوة، وأن الطموح هو سر النجاح، وأن الإيمان هو سر البقاء.

خمسة وتسعون عامًا مرت، لكن الحكاية لم تنتهِ، بل بدأت للتو. المستقبل أمامنا، مليء بالفرص، مليء بالأحلام، مليء بالانتصارات القادمة. والسعودية في يومها الوطني الخامس والتسعين تقف كالعروس المزينة بالأخضر، شامخة كالنخلة، راسخة كالجبل، متألقة كالنجم، تُعلن للعالم أن القادم أجمل، وأن الأجيال الجديدة ستكمل المسيرة بنفس العزم والإصرار.

وفي نهاية اليوم الوطني، حين تنطفئ الأضواء وتغلق الشوارع أبواب الاحتفالات، يبقى في القلب شعور واحد لا يزول: الفخر. يبقى الوطن أغنية لا تنتهي، وقصة لا تغلق صفحاتها، وحلمًا يتجدد في كل صباح. كل عام ووطني بخير، كل عام والسعودية أقوى، كل عام ونحن أبناء وطن لا ينكسر، وطن هو دارنا، وهو عزنا، وهو فخرنا الأبدي

اظهر المزيد

كمال فليج

إعلامي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى