منوعات

الكاتبة شريفة بنت راشد القطيطية في مجلس الحكواتي

 

في ركن هادئ من مجلس الحكواتي، حيث تتراقص الكلمات كأمواج البحر ويُولد السرد من وهج الأرواح، جلست مع الشاعرة والكاتبة العمانية شريفة بنت راشد القطيطية. كان الحوار مدهشًا وجميلاً، كأننا نتنقل بين صفحات قصة تُكتب لحظة بلحظة، وتُطرّز بخيوط الذاكرة والشغف.

سألتها: كيف بدأت رحلتك مع الكلمة، وما الذي جذبك للشعر والأدب منذ ثلاثين عامًا؟
ابتسمت، وعيناها تلمعان بذكريات الماضي وكأنها تستحضر دفء البدايات، ثم قالت: كانت البداية بسيطة لكنها ملأى بالشغف. نشرت لمدة خمسة عشر عامًا في صحف مثل السلطنة، الوطن، الشبيبة، ومجلة العمانية، وشاركت في المسابقات والمنتديات الأدبية. دائمًا كان قلبي يبحث عن الكلمة التي تترك أثرًا، كلمة تلمس الروح قبل الورق وتُشعل في القارئ شعلة لا تنطفئ.

ثم أضافت بصوت يختلط فيه الحنين بالشعر: كان للبحر سحرٌ آخر لإبداع الكلمة والأسلوب الذي أعشقه، الممزوج بالبلاغة والحكمة. بحر الخابورة تحديدًا كان عالمي الأول، له سحره الخاص، وهو أمير كل العقود التي عشتها معه، عقودٌ لم ولن يمسحها حتى الجبل الذي رحلت للسكنى بقربه.

سألتها: ثم توقفتِ فترة طويلة… ما الذي أعادك مرة أخرى إلى ساحات الكتابة؟
فأجابت بابتسامة عميقة: أحيانًا يحتاج الكاتب للصمت، لإعادة ترتيب أفكاره وتجارب حياته. الصمت لم يكن غيابًا، بل كان عودة إلى الذات. عدتُ لأني شعرت أن لدي رسالة خاصة بأسلوبي الجديد. عملت في صحيفة النبأ الإلكترونية كمحررة، لكن الأهم بالنسبة لي كان أن تخرج كلماتي بسمة، وأمل، وروح جميلة، لا مجرد انتشار عابر في زحام النصوص.

انتقلتُ معها إلى محطة أخرى وسألت: وماذا عن كتابك الأول “سجود الوجع والامتنان”؟ كيف كانت تجربة إخراجه للنور؟
ارتجفت يدها قليلًا وكأن الكلمات تعانق صدرها، ثم قالت: الكتاب كان رحلة طويلة بين الألم والامتنان، بين لحظات ضعف وقوة. إنه يحمل روحي وما أؤمن به من قدرة الكلمة الصادقة على لمس القلوب. كان يوليو الماضي موعد ولادته، وكل صفحة منه محاولة لإشعال ضوء في قلب القارئ، وإهدائه قبسًا من الأمل.

وتوجهت إليّ بابتسامة امتنان: وأود أن أشكر فايل المطاعني على إتاحة هذه الفرصة الثمينة لي للحديث، ولمنحي مساحة للتعبير عن تجربتي بحرية وصدق، في مجلسٍ لا يعرف إلا لغة القلوب.

فسألتها: في عالم اليوم، كيف ترين قيمة النص والكلمة؟ هل ما زال الأدب قادرًا على الصمود أمام زخم العالم الرقمي؟
قالت بثقة: الأدب ليس مجرد حروف أو منشورات على شاشة، بل إحساس ورسالة ورحلة مشتركة بين الكاتب والقارئ. وأحيانًا يحتاج الكاتب لمحاربة الظروف، وأحيانًا الحظ العاثر، ليصل صوته. الجودة هي ما يميز النص، ليس الكم بل القلب والصدق.

وقبل أن نغلق المجلس، سألتها: ماذا تتمنين أن يحمل القارئ من أعمالك؟
ابتسمت بشفافية وكأنها تهمس لكل قارئ بحكاية سرية: أتمنى أن تبقى الكلمة الجميلة حاضرة، تنشر البسمة، وتزرع الأمل. أن نكتب من القلب، وأن يظل الأدب ملاذًا لكل من يبحث عن دفء الإنسانية وسط زمن متسارع لا يرحم.

ثم تابعت بابتسامة ودّية موجهة للجيل الجديد: أود أن أوجه نصيحة لكل الكاتبات الشابات: احرصن على صقل موهبتكن بصبر وإصرار، ولا تخفن من التجربة أو من مواجهة الصعاب. الكلمة الصادقة هي التي تبقى، فلا تترددن في قول ما يؤمن به قلبكن.

وفي المجلس، بقي الصمت لحظة قصيرة، قبل أن يتبعها تصفيق للكلمة الصادقة، وللقلب الذي لا يزال يختار البسمة على صخب العالم. ولأن الحكايات لا تنتهي، فإن العالم لم يتوصل بعد إلى سر العاشقة الساحلية التي لمست القمر بيد، والقلم بيد أخرى؛ مزجت ماء البحر المالح بالسجع الهائم في تمرد امرأة عانت الكثير من الآلام، وتوطنت بكمٍّ هائل من الكفاح، ومحاربة جيدة في زمن يستحق السجال لنيل الآمال.

اظهر المزيد

كمال فليج

إعلامي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى