سفر برلك في قديم الزمان

✍️ روان طلاقي :
كان يا ما كان يا حبايب، في قديم الزمان…
في وقت العثمانيين، كانو يحكموا البلاد، طلّعوا أمر يسمّوه سفر برلك.
جابوه من فوق، من دار السلطنة، وقالوا: “كل رجال المدينة لازم يروحوا الحرب!”
ما خلّوا لا شاب ولا كبير، كلهم لازم يركبوا القطار…!
كان في أيام اجدادنا قطار اسمه قطار الحجاز
اللي بنوه علشان الحُجّاج يوصلوا لمكة ويرتاحوا،
صار فجأة وسيلة للوداع… للرحيل القسري.
ركبوه رجالنا بالغصب،
سحبوا شبابنا من بيوتهم،
بلا وداع، لا خبر، ولا حتى سلام.
يجمعو الشباب، يرموهم في القطار، ويقولوا: “روحو… دافعوا عن الدولة!”
واللي يرفض؟ يا ويله…
ما في رحمة، لا في عين ولا في قلب.
وبينما القطار يصفّر،
الجوع بدأ يدق أبوابنا…
الحصار خانق، مافي تمر، مافي خبز
كل يوم نسمع صوت القطار…
نرفع روسنا من الهمّ، نقول:
يا ترى الدور على مين اليوم
البيوت فاضية،
الليالي طويلة،
والدعاء ما يفارق شفاه الأمهات.
كل أم تبكي،وكل طفل يسأل: فين بابا ياماما
ومرّت الأيام…
سنة ورا سنة، والقهر باقي، لكن الإيمان أقوى.
المدينة نزفت، بس ما ماتت…
صبر أهل المدينة، وأهل مكة كمان،
ما انكسروا، ولا نسوا.
وإلين ما انتهت الحرب، وانتهى سفر برلك،
ما رجعوا الكل، بس رجعت الكرامة في عيون الناس،
رجعت الحكايات، وتسلّمتها الجدّات،
يحكوها لنا عشان ما ننسى.
لأن سفر برلك، يا حبايبي،
ما كانت بس حرب…
كانت جرح، ووداع، وصبر وصمود ما يهزّه الزمان.
رجعت المدينة لأهلها
مسحت دمعتها، ورفعت راسها.
وعمرناها من جديد