منوعات

مدينة قصر البخاري الجزائرية عبر التاريخ

الجزائر  _ عباس مولبات : 



إن ماضي قصر البخاري هو حصيلة تفاعل الشروط الطبيعية، و المميزات المناخية بالعوامل البشرية، و الدوافع الإقتصادية و المتطلبات الإجتماعية عبر بعد زمني محدد، و حركة تاريخية مستمرة، لقد عرفت مدينة قصر البخاري استقرار إنسان ما قبل التاريخ، و هذا ما تؤكده البقايا الحجرية التي عثر عليها، نجد ذكر مدينة قصر البخاري في المصادر التاريخية مع إنشاء الخط الدفاعي الروماني شمال الهضاب العليا، و جنوب التيطري من لدن الإمبراطور الروماني سبتيموس سيفيروس الذي أقام إلى الشرق من قصر البخاري حصن أو زينازا و قد واصل جهوده الدفاعية من بعده ابناؤه من الأباطرة.



ظل قصر البخاري طوال الفترة الرومانية، و حتى الفترة الإسلامية محطة عبور أكثر منه مركزا عمرانيا لأسباب تتعلق بخوف السكان من التعرض للغارات و الهجمات، فكان بوغار خير مكان لهم لحصانة موقعه، و سهولة الدفاع عنه، بينما تحول موقع قصر البخاري على وادي الشلف ال>ي يصعب الدفاع عنه رغم ملائمته للسكن إلى مجرد سوق لرجال قبائل جهات التيطري الجنوبية و نواحي الهضاب الشمالية طوال الفترة الإسلامية، و لم يكتسب طابع المركز العمراني إلا مع إنشاء بايلك التيطري في اوائل العهد العثماني على الأرجح في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر ميلادي.


عرفت مدينة قصر البخاري مرحلة جديدة من تاريخها مع احتلال الفرنسيين لمدينة الجزائر 1830م و استيلائهم على المدية عاصمة التيطري سنة 1837م، و جعلهم بوغار قاعدة عسكرية إثر قضائهم على عبد القادر في تلك الجهة من شهر ماي 1840م، و توسعهم نحو الجنوب1843م، فاهتم الحكام الفرنسيون بقصر البخاري لموقعها الجغرافي و إمكاناياتها الإقتصادية، فعملوا على تأكيد طابعها التجاري ووظيفتها الإدارية و أصبحت مقرا إداريا للجهات الأربع للتيطري، فقصدها الأروبيون للإنتفاع بالوظائف التي توفرها و الأراضي الزراعية الواقعة إلى الشمال منها، و فد ارتبط هذا التطور بممارسة سياسة إدارية استعمارية عانتها القبائل المجاورة لقصر البخاري من جراء إجراءات المصادرة و التغريم المستمر من الحاكم الفرنسي، فزاد عداء سكان قصر البخاري للإدارة الفرنسية، فبادروا إلى الإنضمام إلى ثورة أولاد سيدي الشيخ 1864م، مما عرضهم إلى المزيد من أعمال القمع، وممالا زاد في شقاء سكان قصر البخاري و نواحيها حلول المجاعة، وانتشار الأمراض في الستينات من القرن التاسع عشر، فهلك عدد كبير من السكان إذ قدر عدد الأموات في قبيلة المفاتحة التي كان يعيش أغلب أفرادها إلى الشرق من قصر البخاري مباشرة ب 61.5 ℅ من تعدادها الإجمالي.

من حيث الوظيفة الإدارية فقد أصبحت مدينة قصر البخاري مركز بلدية كاملة الصلاحيات بفعل القرار الصادر في 29 جانفي 1869م، ثم أصبحت مركزا إداريا للجهات المحيطة به، عندما أحدثت البلدية المختلطة بقرار 25 أوت 1880م.


و مع اندلاع الثورة التحريرية، تحول جبال التيطري و الونشريس إلى معاقل رئيسية للمقاومة بالولاية الرابعة، كان للعديد من أبناء قصر البخاري شرف المشاركة في هذه الملحمة التاريخية، كما اضطر العديد من سكان الجهات القريبة منها إلى التحول إليها للإقامة تجنبا لعمليات القمع و البطش التي كانوا يتعرضون لها في المناطق الريفية القريبة، فتزايد بذلك عدد سكان قصر البخاري بشكل سريع، فارتفع من 10134 نسمة سنة 1954 إلى 16212 سنة ،1966 إلى 25412 سنة 1977، إلى 40420 نسمة عام 1987، إلى 48523 سنة 1992.

لقد حافظت مدينة قصر البخاري على مكانتها الإدارية فتحولت مع التقسيم الإداري بعد الاستقلال إلى دائرة إدارية تابعة لولاية المدية.


لقد عرفت مدينة قصر البخاري في السنوات الأولى للاستقلال تطورا ملحوظا ما لبث أن تراجع بفعل الأزمة العامة التي أصبحت تعيشها البلد منذ أواسط الثمانينات، و انعكس ذلك في تلك الأعداد الكبيرة من العاطلين غن العمل و في تلك الجماعات الكثيرة من الشباب الذي وجد نفسه خارج المدرسة، و بدون تكوين، فارتفعت نسبة البطالة في قصر البخاري نتيجة ذلك من 21.02 ℅ سنة 1987 من مجموع السكان إلى41.41 ℅ سنة 1992.



إن موقع المدينة و إمكاناتها الاقتصادية و نشاط سكانها و حيويتهم كفيل بإحداث حركة تنمية متسارعة قادرة على تطوير مستوى سكان قصر البخاري و القضاء على البطالة، و أزمة السكن، فتحتل بذلك مدينة قصر البخاري مكانتها اللائقة بين المدن الجزائرية، و تظل حلقة وصل و بيئة تفاعل تربط أصالة الماضي بطموحات الحاضر و آمال المستقبل.



المصدر: كتاب، قصر البخاري مدينة الشمس للكاتب: سعيد بن زرقة.

كمال فليج

إعلامي جزائري / نائب رئيس الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى