فيا سعة رحمة الله

✍️ صالح الريمي :

أعرف الكثير ممن هو قريب مني وقد مر به عسر كبير وقاسي وعانى مرارته وحرارته وقسوته، ولكن القليل ممن أعرف احتسب وصبر حتى آتى الفرج، فربما يرزقه سبحانه من حيث لا يحتسب، لأن اليسر يأتي متنكرًا ويطرق الباب كغريب!.
وأكثر البشر عجيب في عجلته وسرعة تحوله وغفلته حال السعة، ويأسه وتبرمه حال العسر والشدة، وصدق الله إذ يقول: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلْإِنسَٰنِ أَعْرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسًا}.

من هذه المقدمة أنقل لكم قصة فرج الله القريب، حيث يقول صاحب القصة أسعفت زوجتي في ليلة من الليالي، حيث أخذتها إلى المستشفى بعد معاناةً يومًا كاملًا من ألم الولادة المتعسرة، فقد كانت في حالة يرثى لها، وفور وصولنا إلى المستشفى هب جميع الاطبة نحوها، ثم جاء أحدهم بورقة لكي أوقع بالموافقة على إجراء عملية قيصرية عاجلة لزوجتي..
وبعد العملية أخبروني أن ابني سيرقد في غرفة الحضانة لتعسر الولادة، فقد أصيب دماغ الطفل جراء عدم وصول الأوكسجين إليه، كما أنه استنشق أثناء الولادة من ماء الرحم، فأصابه بالتهاب رئوي حاد، وبعد يومين أخبرني الطبيب أن حالة ابني متفاقمة، والأقدار بيد الله.

ويعد يومين قال الطيب المعالج إن تعافى طفلك فسوف يكون هناك احتمال إصابته بتخلف عقلي جرّاء الضرر الحاصل بالدماغ، فأظلمت الدنيا أمام عيني حتى أنني كنت أمشي ولا أدري أين أنا؟ عندما أتذكر معاناة زوجتي في ولادتها، ثم معاناتها في المستشفى، وأخيرًا حالة الولد الميؤوس منها..
وأثناء التفكير المستمر تذكرت “إن الحكمُ إلاّ لله”، وليس للأطباء، فتوضأت وصليت ركعتين دعوت الله فيهما من قلبٍ خالص، وفي اليوم التالي ذهبت إلى المستشفى فقابلتني ممرضة الحضانة وهي تقول: غدًا موعد الخروج للأم والطفل معًا!! قلت ماذا حصل لهما؟ قالت الحمدلله لقد تغيرت حالة الطفل 180 درجة للأحسن، واليوم ولله الحمد يتمتع ابني بذكاء أكبر من عمره بعدة سنوات، انتهت القصة ولم ينته الكلام.

*تعليق بسيط:*
سبحان الله الخالق، ويا سعة رحمة الله علينا، فقد ذهبت الشدة والكرب بركعتين خالصتين لله تعالى، فمن تيقن أن فرج الله قريب حتمًا سيذوق هذا الفرج، قال تعالى: (فاصبر إِنَّ وَعْدَاللَّهِ حَق ولا يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لَا يوقنون)، إنه يسر العطايا المغلفة يبعثها الله إلينا بصورة لا نتوقعها لتسوقنا بلطف إلى رحابه، وتساعدنا على معرفة جوانب ضعفنا، وتضع أقدامنا حيث كان يجب أن تكون.

*ترويقة:*
الكثير منّا ينظر إلى حالة الضيق التي تمر به وكأنها سرمد لن تزول، وينسى ما كان عليه قبلها من الفسحة والفيض والخير والنعيم، ولا يستطيع تخيل ما سيأتي بعدها من اليسر والفرج، لأن اليسر هو الأصل، ويستخرجه الله ببعض الشدائد التي بنا أثناء غفلنا في تيارات الحياة، لهذا الله يريد بلطفه أن يسمع نجوانا وشكوانا، وأن يرى قلوبنا الموجوعة مبتسمة فرحه، وتترطب عيوننا ببعض الدمع الذي جف في مآقينا.

*ومضة:*
ذكر الله العسر معرفًا، وذكر اليسر منكرًا، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا () إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، هنا ربط الله عزوجل الآية الأولى بما قبلها بالفاء؛ لأنها تعقيب على معاناة ووعد بالتيسير، أما الآية الثانية فجاءت مطلقة وقاعدة عامة لكل من ينتظر اليسر من الله تعالى، لأن اليسر موجود وقائم وليس قادمًا أو منتظرًا فحسب فهو مع العسر يمشيان.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى