قصائد و مقالات

مذكرات الولد الشقي

عودة الذكريات

✍️ فايل المطاعني : 

كانت الشمس تميل نحو الغروب، وتلون السماء بلون العسل الدافئ، حين خطوتُ لأول مرة منذ سنوات بين أزقة الحي العتيق.
هنا، حيث تشققت الجدران من ضحكاتنا، وتآكلت الأرصفة تحت وقع أقدامنا الصغيرة، تنفستُ هواءً مفعماً بالحنين.
كل ركن، كل باب خشبي مائل، كل نافذة نصف مكسورة… كان يحمل لي حكاية.
توقفت أمام تلك الزاوية التي كنا نختبئ خلفها من جارنا الغاضب، ورأيت شبح طفولتي يركض، يضحك، ويسابق الريح.

عدتُ بذاكرتي إلى تلك الأيام… أيام الولد الشقي.
سأحكي لكم عن ذكرياتي… عن الولد الشقي الذي يسكنني حتى الآن..

الحلقة الأولى ” التفاصيل ” 

من الأشياء الجميلة أن تحظى ذكرياتك باهتمام الآخرين، وربما تلك الذكريات لا تختلف عن ذكريات أي واحد منا، ولكن الاختلاف يكمن فقط في التفاصيل. نحن متشابهون في أشياء كثيرة ولكن مختلفون في التفاصيل، وهذا ما يجعل حياة كل واحد منا مختلفة، لأن التفاصيل مختلفة.
الحقيقة، لم أكن فتى هادئاً، ولكنني لم أكن شقياً، بمعنى ذلك الصبي العفريت. ماذا أريد أن أقول؟ أنني لم أكن في الواجهة، ولم أتصدَّر المواقف. نعم، أنا أحرض أصدقائي ولكن لا أكون في الواجهة بتاتاً. لذلك أحببتُ قصة روبن هود، ذلك الفارس الشهم الذي يسرق المال من الأغنياء الأوغاد ليعطيه للفقراء الصالحين.
أحببت القصص التي تتحدث عن الأبطال الذين يزرعون الخير والمحبة، حتى لو كانوا أشراراً في البداية، ولكن المهم هو النهاية. مما جعلني أعشق قصة الكاتب الفرنسي فيكتور هوجو “البؤساء”. الأدب الفرنسي وأيضاً الأدب الروسي لديهما هذه اللمسة الجميلة، أما الأدباء الإنجليز فهم متعجرفون ولديهم برود مزعج.
عندما كنت في الصف السادس الابتدائي، طلب منا معلم التاريخ أن نكتب عن عبد الناصر، وكان الدرس عن النهضة العربية. ولم يكن عبد الناصر هو المقصود، ولكنه كان ضمن درس النهضة العربية، وكان المعلم ناصري الهوى. وفي تلك الأيام، كان عبد الناصر “ترند” بلغة شباب هذا العصر.
أنا أتحدث عن حقبة الثمانينيات من القرن الماضي.
ولكن لم أكن مقتنعاً كثيراً بالفكر الاشتراكي، يعني لم أكن في سن تسمح لي بأن أستوعب تلك المرحلة الدسمة من تاريخنا العربي. فترة الثمانينيات وحتى السبعينات كانت فترة خصبة من تاريخنا. كانت بداية تحول دول الخليج من دول محدودة الإمكانيات إلى دول غنية بفضل اكتشاف البترول، فأصبحت تلك الدول مقصدًا للكثير من الإخوة العرب، وحتى الأجانب. فعلاً، كانت فترة تحول جذري، وأكيد هذا التحول استفدنا منه كشعوب خليجية من خلال الاحتكاك بالكثير من الشعوب.
ومن هذه الشعوب التي أثرت فينا الشعب المصري، فأصبحت اللهجة المصرية هي اللهجة الثانية بعد اللهجة المحلية. فالشعب المصري شعب خفيف الدم، لذلك تراه يندمج في المجتمعات بسرعة كبيرة.
وكنا من عشاق المسلسلات المصرية، وأيضاً الأفلام المصرية التي غزت كل بيت خليجي. طبعاً مع الأفلام الهندية والنجوم الهنود في تلك الحقبة، كانوا نجومًا ذو كعب عالٍ.
وإن شاء الله، من غدٍ سأبدأ معكم مذكرات بعنوان “مذكرات الولد الشقي”، سأتحدث عن مرحلة معينة من عمري.
انتظرونا غداً بعون الله.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى