
✍️إبراهيم شقلاوي
في الوقت الذي يتطلع فيه السودانيون إلى نهاية حرب وجودية استهدفت دولتهم ، تصر مليشيا الدعم السريع وداعموها الإقليميون على تطويل أمد المأساة عبر أسلحة جديدة، في مقدمتها الطائرات المسيّرة أو ما يعرف بالمسيّرات الاستراتيجية. هذه المسيّرات لم تعد فقط وسيلةً للاستطلاع أو استهداف المواقع العسكرية، بل تحولت إلى أداة ممنهجة لاستهداف المدنيين وتعطيل البنية التحتية، في انتهاك سافر لكل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية.
مجزرة عطبرة الأخيرة تكشف هذا المخطط بوضوح. ففي بيان رسمي أكدت وزارة الخارجية السودانية أمس أن مليشيا الدعم السريع استخدمت مسيّرات حديثة – وفرتها لها راعية إقليمية معلومة – في قصف مركز إيواء المقرن، مما أدى إلى استشهاد 11 نازحًا، بينهم أربعة من أسرة واحدة، فضلًا عن استهداف محطة كهرباء عطبرة التحويلية، وتعطيلها بالكامل. هذا التصعيد كما أوضح البيان، امتداد لمخطط إبادة جماعية بات يستهدف الحياة اليومية: الكهرباء والمياه والمستشفيات والأسواق.
ما يلفت الانتباه أن استخدام المسيّرات الاستراتيجية من قبل المليشيا جاء بعد سلسلة من الهزائم الميدانية الفادحة التي مُنيت بها خلال الأشهر الأخيرة. فبدلًا من مواجهة القوات المسلحة السودانية ميدانيًا، لجأت المليشيا إلى تكتيكات الحرب الرخيصة، محاولةً عبرها إلحاق الأذى بالمدنيين العزل، وشل الخدمات الأساسية، في محاولة لإرباك المشهد وإطالة أمد الحرب.
وما يجعل هذا المسلك أكثر خطورة هو تجاهل المليشيا للقرارات الدولية، وتحديها الصارخ للشرعية الأممية، لا سيما بعد مطالبة مجلس الأمن الأخيرة لها بوقف استهداف المدنيين ورفع الحصار عن مدينة الفاشر بموجب القرار 2736 يونيو 2024. إلا أن الرد جاء دمويًا، بتصعيد العمليات الإرهابية، ما يبرهن أن هذه المليشيا ومن يدعمها لا تعترف بقانون، ولا تحترم التزامات، طالما وجدت من يغطي جرائمها أو يمدها بأدوات القتل.
أمام هذه المعطيات، تبدو الحاجة ماسة لأن يتجاوز المجتمع الدولي مرحلة الإدانة الكلامية إلى أفعال ملموسة. فالتغاضي عن استخدام المسيّرات لضرب المدنيين ومحطات الطاقة يمثل قبولًا ضمنيًا بالإبقاء على السودان كأرض محروقة، ومحاولات الضغط على الجيش للذهاب إلى تفاوض يعيد ترتيب المشهد وفقًا لإرادتهم، وهو أمرٌ لن يتم حتي لا يدفع ثمنه الشعب السوداني ، كما أنه سوف يؤثر على استقرار المنطقة بأكملها.
تستحضر الذاكرة مقولة الجنرال الأميركي جورج باتون خلال الحرب العالمية الثانية حين قال: “نحن لا نخوض الحروب لنستمر فيها، بل لنربحها، لأن شعبنا يستحق أن يحيا بسلام.” تلك المقولة التي شكلت لحظة تحول في مسار المعركة الأوروبية، تعكس جوهر ما يخوضه السودان اليوم: معركة وجود لا تقبل القسمة على اثنين، ولا تحتمل التردد في الحسم.
إن استخدام المليشيا للمسيّرات بعد خسائرها الميدانية الفادحة، ليس إلا تعبيرًا عن إفلاس استراتيجي. فهي تحاول أن تعوّض هزائمها في الخرطوم والجزيرة وغيرها. لكن مع كل استهداف غادر، تتسع دائرة الإدراك الوطني أن السلام لا يتحقق إلا بدحر هذه المليشيا، وأن الحرب كما علمتنا تجارب الشعوب، لا تنتهي عندما تتوقف الطلقات، بل عندما تُكسر إرادة استخدام أدوات القتل كسلاح للابتزاز السياسي الرخيص.
في السياق تعهّد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أمس بمواصلة القتال حتى اقتلاع مليشيا الدعم السريع وتحرير البلاد، مؤكدًا الانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم. وأوضح خلال تدشين مبادرة “عافية وطن” أن الأمور تسير كما خُطط لها، داعيًا المواطنين للصبر، ومتوعدًا كل من يساند المليشيا بالحسم. وأشار إلى أن ضربات المسيّرات للمرافق المدنية ستتوقف قريبًا، مع تغير طبيعة تسليح القوات وانتقالها لعمليات هجومية.
يذكر السودانيون مقولة الفريق توفيق صالح أبو كدوك، الذي يعد من أخطر الجنرالات في السودان وإفريقيا، وعُرف بجرأته العسكرية الميدانية. قال ذات مرة: “أعطوني الأمر أرفع العلم السوداني في أديس أبابا خلال 24 ساعة”، تعبيرًا عن ثقته العالية في قدراته القتالية وقوة الجيش السوداني، في فترة كانت فيها توترات حدودية وعسكرية مع إثيوبيا، فأراد أن يبعث برسالة حاسمة بأن بوسعه أن يحسم أي مواجهة بسرعة وخلال زمن قياسي.
مقولته هذه مازالت حاضرة لدى الجيش السوداني وقيادته، مع اختلاف وجهة العدوان الإقليمي الذي تنطلق منه هذه المسيّرات. وُصف أبو كدوك بأنه “الجنرال الوحيد في إفريقيا الذي لا يمكن إقناعه بالقوة أو الابتزاز”، وهذا ما ظلت تعلمه الكلية الحربية السودانية لطلبتها.
لذلك، وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن الرد على هذه المسيّرات لا يكون فقط بتحييدها، بل بتثبيت حقيقة أن ما بُني على الإرهاب لا يصمد أمام الجيوش ذات العقيدة، ولا يقوى على الوقوف في وجه أمة اختارت أن تقاتل لتعيش، لا لتموت. وتظل هذه العقيدة عنوانًا ثابتًا، يتوارثه جيل بعد جيل، كلما حاول خصوم السودان اختبار صبره أو استضعاف إرادته.
دمتم بخير وعافية.
الأحد 27 أبريل 2025 م [email protected]