“الرِّضا… مقامُ القلوب العالية”

✍️ د. منى جمال :
نُردّدها كثيرًا: الحمد لله… لكن قلّ من يقولها بقلبٍ ساكن، ونفسٍ مطمئنة، ويقينٍ لا تعصف به العواصف.
فكم من حامدٍ بلسانه، ساخطٍ في قلبه… يقولها وهو يعتصر من ضيقٍ لم يفهمه، أو خذلانٍ لم يتوقّعه، أو تأخيرٍ حسبه حرمانًا، لا تأديبًا ولا إعدادًا.
الرضا يا صاحبي ليس كلمة تُقال… بل مقامٌ يُرتقى.
هو أن تقول: الحمد لله، وفي صدرك بردٌ وسلام، وإن ضاقت عليك الأرض بما رحبت.
هو أن تُسلِّم، لا استسلامًا… بل تسليمَ من أيقن أن التدبير الأعلى أرحم به من أمنياته العجلى.
قيل لي: الرضا درجات… فقلت: لا، بل الرضا تَمامٌ أو لا يكون.
الرضا الناقص حيلة النفس، والمساومة على اليقين.
ذاك الذي يرضى بنصف قلب، ونصف يقين، ونصف دعاء… هذا ما رضي، بل ما تلوّى على جمر السخط دون أن يصرّح.
أما من ارتضى… من قبِل وامتثل واستكان لما كتب الله، هؤلاء نُخبة الخواص.
رزقهم الله السكينة في الدنيا، والسعادة في الآخرة، وما جمع الله بينهما إلا لقومٍ أحبهم واصطفاهم.
ألم يقل الحقّ في محكم التنزيل:
“رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”
[المجادلة: 22]
فمن رضي بالله، رضي الله عنه.
ومن رضي، فقد سَلِم.
ومن سلِم، فهو في حِمى الأمل، بعيدٌ عن هاوية اليأس.
الدنيا ميدان اختبار، والرِّضا التام فيها من أسمى مراتب الإيمان، وأكرم ما يُزيَّن به قلب العبد.
ولئن اقترن الرضا بالصبر، والمثابرة بالسعي، فالفوز حليف صاحبه، ولن يفارق طريقه، مهما طال الطريق.
اليأس؟ نعم موجود.
لكن الأمل أيضًا حاضر.
والقناعة صديقة الطريق إن أحسنت الضيافة.
نحن من نُقرّر أيّهما نسلك: طريق الضجر والاعتراض، أم درب القبول والانشراح.
الاختيار لنا… والنتائج على قدر ما زرعنا من نوايا.
فانشرح… تطمئن.
وافْرح… تُرزق.
واطمئن… تُفتح لك أبوابٌ ما ظننتها تُفتح.
الرضا لا يعني أن كل شيء بخير…
بل أن ترى الخير في كل شيء.