قهقه

✍️ فاطمه العامري:
تأبط جريدة في صباح اليوم الحادي عشر من أبريل، بوجهٍ عبوس، وتمتمات غير مفهومة تنمّ عن ازدراء وغضب، متوجّهًا إلى ساحة المقهى الذي اعتاد المكوث فيه لساعات متأخرة، حتى بعد أن يُرشّ عليه الماء من صبيّ القهوة.
تبِعه بائع الحلوى إلى الساحة، يعرضها للصبية الصغار تحت جدار البناية العتيقة، وفتح الخبّاز دكانه بعد معارك طاحنة مع اللصوص.
صابر هذه المرّة بدا مختلفًا عن كل مرة يذهب فيها إلى القهوة، فرغم عصبيّته، ارتدى بدلته التي لا تخرج من خزانته إلا لمأتم أو فرح — وغالبًا ما يُفضّل المآتم، هناك يبكي وينوح براحته.
وضع جريدته على الطاولة، ونادى بأعلى صوته على صبيّ القهوة ليأتيه بفنجانٍ بلا سكّر.
هكذا يحبّه: مرًّا.
جاءه الفتى بفنجان قهوة بارد، اجترعه دفعة واحدة دون أن يشعر ببرودته، وكأنّ عقله قد غُيّب. لم يُفكّر، لم يتأمّل، فقط جلس واستند إلى المقعد، أخرج نظارته من جيبه، وضعها على عينيه، وفتح الجريدة بعد تنهيدة ثقيلة.
راح يُقلب الصفحات؛ أخبار موت، مجاعات، أنهار جفّت، وحرب نووية وشيكة.
توجّه إلى صفحة “حلّ الأحرف المتقاطعة”، ولكن الحروف هذه المرة لم تكن مألوفة. مختلفة، تحتاج إلى تركيز أكثر.
بدأ بالمربعات الأولى، ثم التي تليها، لكنه عجز عن الحلّ، وراوده الشكّ أن ذاكرته شاخت، وأنه لم يعد قادرًا على حلّ بضع كلمات.
فكّر أن يتغاضى عنها، لكنه خشي أن يتمزق كبرياؤه.
حاول مجددًا… بدأت الحروف تتشكّل، وعلت شفتيه المتعرّجتين ابتسامة صغيرة، لكنها لم تدم طويلًا. بقيت أربع كلمات مستعصية.
مضى الوقت… بائع الحلوى نفدت حلواته، وبائع الخبز علا صوته لينهي آخر ما تبقّى له، والحمال فرغ من تفريغ بضاعته.
وما زال صابر يُصارع الكلمات المتقاطعة.
بدأ اليأس يسري في قلبه، وأوشك أن يقتنع بأنه شاخ وكبر.
ثم… تجلّت له كلمة.
قهقه.
قهقه بصوتٍ عالٍ، ثم توارى إلى منزله.