قراءة لـ: ماقالت الريح لليل للكاتبة لهيب عبدالخالق

بقلم : سعد الدغمان
ليس عبثاً أن تَهبُ الرياح لتربك سكون الليل باحثةً عمن ينصت لنشيجها،لمن يستجلي مافيها و يفهم مغزى ما جاءت به، وما حملت في طياتها،الاستفهام والتأكيد الذي جاءت به لهيب عبد الخالق في عنوان ديوانها تحاول أن تبين من خلاله الحوار الخفي الذي يدور بين الإنسان والطبيعة، وأن تنقل حالة عدم الاستقرار التي عليها الريح وما يكتمه الليل من أسرار لاتقبل البوح. “ما قالت الريح لليل” يفتح أفقاً من التأويل والدهشة،وما يلامس الروح من شغف لمعرفة خفايا ذلك المجهول في قولها لليل.
لهيب عبد الخالق قدمت مزيجاً من التأويل والدهشة في ديوانها..
قصائد عديدة ضمها ديوان “ما قالت الريح لليل” اشتغلت عليها لهيب عبد الخالق بالتأمل وإلتقاط اللحظات الهاربة وما تتضمنه بعض الذكريات من غموض ومشاعر لاتتوافق مع ما يعيشه العالم اليوم من صخب وفوضى.أحتوى ديوانها الحنين الناعم، رافقته أسئلة لم يُحرر لها جواب، وفيه من الحب ما لاشبيه له فيما سمعنا من الروايات ، هو كالريح فعلا تمر وتغير وتترك آثراً على مساراتها التي لابوح فيها لما تقول لليل.
الاستفهام الذي تضمنه العنوان يأخذ القارئ نحو تشظيات الروح التي تلامس وجعها وجمالها،حاولت لهيب أن تعبر عما يجول في خاطر المتلقي من سؤال حول القوة التي تكمن في ذلك البوح الذي اسرت الريح به الليل فحولت بكلماتها ضبابية التصور إلى قوة الموقف التي تنم عن معرفة (ماقالت الريح لليل) رغم ما لف الجملة من إبهام، فهل من سامع لما قالت الريح ، أم أن قولها ذهب مع عتمة الليل وإنبلاج الصباح، ذلك ما أخفته لهيب عنا وعن القراء كي نواصل معرفة ما جرى من خلال نصوصها أنقينا بعض من نصوص الديوان وخضنا في تفاصيلها.
“ماقالت الريح لليل” … لغة مكثفة وصور حسية ورمزية طاغية في مشهد شعري متداخل
-داخلت بين الرموز التاريخية والروحية لتُظهر صورة نصية جميلة من روح الخطاب “القرآني”
العنوان جاء بصيغة الإيحاء الرمزي أرادت منه لهيب عبد الخالق الإشارة فيه إلى حديث أوبعض من أسرار لتضفي بعض من غموض أو لإثارة الفضول،أو أن تضع القارئ على عتبة التأمل في طابع الحوار الذي دار بين الريح والليل وما تهمس به النفس في خلجات ذلك الليل وسكونه، نشعر به لكننا لانعرف فحواه، نلمسه عبر حركة الريح ،ونألفه من سكون الليل الذي يدفع صيغة الحوار التي طغت على النص إلى أن تضفي عليه بعداً فلسفياً في هذا التلاقي ،فالليل ساكن ،والريح حركة ،فكيف جمعت لهيب الحركة بالسكون في تكوين جميل وصاغت منه عنوان ديوانها.
وفي الإهداء جاءت لهيب بأبيات مقتضبة صورت من خلالها الخطاب التاريخي بشكل متداخل مع الرموز المكانية والزمانية، بأعتبار أن ماجاءت به من ذكر للمكان يؤرخ لحقب زمنية عرفت باسماء تلك الأماكن، موحية من خلالها باستيفاء المعنى من الخطاب الديني الذي مثل قصص تلك الأمكنة التي وردت في القرآن الكريم ،ومن نصووص صريحة جاء ذكرها نصا بالاسم في النص القرآني. ( إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد) الفجر (7)، (1) .
إرم..
أعمدةُ رخامٍ ، أم دخان..
-تناولت نصوصها بقالب وجداني تأملي كرست فيه تجربة إنسانية مليئة بالايحاء والرمزية
في الإشارة التي جاءت بها لهيب (إرم) المدينة التي عرفت باسم أولئك القوم، أرادت منها التحديد كدلالة نصية على المقصود (إرم) دون غيرها، لكنها في الخطاب الضمني موجهة وتحمل خطاباً توجيهياً فيه من الرجاء، الخوف، التخفيف، التوبة، الأمل بالنجاة ، العودة من الموت، والهرب من بين أنياب الحرب التي تستعر وتخلف ما تخلف من دمار مثلته لهيب بالدخان.
استحضرت لهيب ( إرم) الأسطورية لتصف من خلالها مشهداً للدمار بعد الكوارث ( الحروب وغيرها) ،كما وصفت التحول والتغيير الذي قد يطال الأشياء والمواقف، فها هي أعمدة الرخام التي تمثل جمال المنظر ،تتحول إلى دخان يتطاير وربما يخنق الجميع ، أي التحول من الجمال إلى الزوال.
لا تنظري للوراء،
لا تنظري إلى بحار الخطايا،
لتنسلّي مثلَ فجرٍ رصاصيّ من بحرِ القذائف،
وعلى أعمدةِ الدخانِ ارفعي رجاءكِ،
الخطاب الذي بدئته لهيب بالنداء ( لاتنظري للوراء) ،وكأن لهيب تصر على أن يكون نص الإهداء مدعم بالتأثير الروحي الذي تطغى عليه سطوة التأثير الروحي أو الحسي للدين، فالهالة التي ترسمها (القصص القرآني) تستحوذ على مساحة التفكير في محيطنا أو مجتمعاتنا الشرقية،وما أن تعمل على الربط بما يحمل خطاب التقديس فذلك مدعاة لتقبل الطرح والميل نحو مضمونه أكثر من أي خطاب أخر، توجه دقيق نجحت لهيب من خلاله لنشر مساحة التقبل لخطاب الإهداء أكثر مما لوكان ذلك الخطاب يقتصر ربما على صورة مغايرة لصورة الخطاب الروحي.
مزجت لهيب عبد الخالق بين الرمزية الدلالية وقوة الصورة الشعرية ، فخطابها الذي بدء بالنداء كان قوي التأثير يحمل طابعاً تأملياً لكنه قاتم ،عكست من خلاله تجربة حياتية قد توصف بالمريرة بعمق تأثيراتها التي خلفتها الحروب وما تحمله من آثار الدمار.
قد لا يسـتمعُ أحدٌ ..
قد يخنقنا الدخانُ..
لكنهُ الوحيدُ الخارجُ من لجُّةِ الحربِ سليماً، كما هو… دُخانْ…..
وعلى حصَاها المجمرِ، عليكِ قطعَ الأميالِ ..
كرست لهيب في إهدائها حقيقة أوردتها ب(قد) وهي كما نعرف (حرف إمتناع لوجود)،( قد لا يسـتمعُ أحدٌ .. قد يخنقنا الدخانُ..)، وهي تحتمل العكس أيضا، فقد لايسمعنا أحد،وقد لانختق، لكن الثابت أن الدخان هو الناجي الوحيد من هول الحرب،والذي خرج منها كما هو …دخان.
تلك الأبيات لاتخلوا من نصيحة ،أي أن لهيب تدعو من خلال أبياتها للمضي دون الاكتراث بما جرى من هول تلك الاحداث، والسعي لبدء صفحة جديدة من صفحات الحياة على الرغم مما كان،فالحياة لاتتوقف، وتلك دعوة للأمل بان القادم ربما يكون أفضل رغم السوداوية التي ضمنتها وصف حالة المعاناة والمستقبل المجهول.
أرادت لهيب أن توصل للقارئ حقيقة فعلية مفادها أن الحرب دمار مهما كانت نتائجها، وجسدت تلك الصورة عبر ما جاءت به من رموز وصور مثلتها ب (الدخان والحرب)، ثم الرحيل في دعواها لترك الماضي والابتعاد رغم الألم، إلا أنها كرست حقيقة ثابتة أيضا أن لا مدينة فاضلة نركن إليها ،وأن لا أمل بالجنة الموعودة وسط ما نعيشه من لاجدوى ومعاناة، وأن الصفة الثابتة التي نعرفها ونلمسها بين أيدينا تتمثل في أن الدخان يرمز للحقيقة وسط مشاهد الدمار الذي نعيشه، صورة تعبر عن إنكسار نفسي تام لم تسعف الرموز التي تضمنها نص لهيب من أن تجعل تلك من الليل مكاناً آمناً نلجأ إليه لنستريح من تعب الأيام.
ففي بواكير ديوانها الذي بدأته ب”همسُ الظلال” تقول لهيب عبد الخالق:
ﹶوحين ﹸيغمرني
المساء بثلجه
ﹸأتدفأ بأغنيات
الحقول ﹸوأرسم على
اﹺلضباب ﹰزورقا
الواضح من هذا النص أن هناك طابعاً تأملياً يضفي بابعاده على القصيدة بشكل كامل، أرادت منه لهيب المزج بين الطبيعة والوجدان، أرادت أن تجسد لحظة دفء في النفوس بمواجهة البرودة التي توصف بها أجواء المساء، وهو تاويل وظفته لهيب للدلالة على الوحدة أو الحزن التي تدفع الشاعرة للتعويض عنهما باستحضار صور الماضي المألوفة.
ﹸوأرصف على
رف موقدي
ﹰزهرة ﹸخبأتها بين
ﹼدف ﹶتي كتاب..
على تضمين نصها بعنصر آخر يبعث على الدفء الروحي مثلته بالذكريات الجميلة (أغنيات الحقول)، وجاءت بالحلم على صيغة صورة من الخيال لتمثل لها مهرباً من الواقع الذي تشير إليه ” أرسم على الضباب زورقاً”،وهذه دلالة أيضا أرادت منها لهيب أن تبقي على الأمل معقوداً على الحدث الذي أرادته مستمراً لتبقى تفاصيله محفوظة بعناية تشكل دفء داخلي ، صورة وجدانية رمزية رائعة وجميلة رسمتها لهبب عبد الخالق لتدفع بنصها إلى الإرتقاء بما ضمنته من أغراض وجدانية ودلالات مؤكدة “زهرة خبأتها بين دفتَي كتاب” ،نص شكلت فيه الذكريات هاجساً لمقاومة برودة الحياة عبر استحضار الذكريات وصور الأيام الجميلة في الخيال.
ثم في “ماقالت الريح لليل” تلك البارزة الناهدة التي أطلقتها على الديوان كله اسماً وعنواناً عرفت لهيب ديوانها بتلك القصيدة ،وأضفت من جمال صورها وتشكيلها وموسيقاها على الديوان كله، فحين تصادف ديوان لهيب عبد الخالق هذا يدفعك إلى تساؤل كبير ،حتى قبل تصفحه أو قراءته يفيد … (ماذا قالت الريح لليل).
ما قالتِ الريحُ لليل… .
(ميلودراما)
لا تمض
ﹸكن ﹶمثل السماء
كلوحة ﹶسوداء
أْجري كالسفين على
ﹶمداها, أنشر
الأنغام ﹶبين غمامها
وأ راقص الأشجار
أعصف في
صواريك التياعي ثم
أغمض ﹶشوق ﹶتلك الأرض
قالت عنها (مليودراما) وهذه توظف في النص الشعري للتعبير عن المبالغة فيما يتناوله الشاعر من مشاعر وبخاصة الحزن ،ما يجعل النص مؤثراً جداً لما يحتويه من عاطفة طاغية، أي أن الشاعر يأتي بالانفعالات القوية والمشاهد المؤثرة لإثارة تعاطف القارئ، وقد تكون تلك الانفاعالات صادقة أو مفتعلة إلا أنها لابد وأن تكون مشحونة عاطفياً.
خطاب الذات أو خطاب الآخر واضح في هذا النص (لا تمضي) هناك مخاطب ،وهناك طلب بعدم الرحيل، وفيه ايضا توصيف وتشبيه ذهبت منهما لهيب لترسم لوحة شعرية وليس صورة، فهي تقول ( كن مثل السماء) أي تمثيل بحركة السماء وسعتهان وهذا تعبير عن الحياة واستمرارها، وفي الأرة تقول (أجري كالسفين على مداها) وهي دعوة للحرية والانفلات من قيود الحياة وتعقيداتها ،وهذه فيها إيحاءات كثيرة ،ما يعني أن لهيب قصدت أن تكتب بالايحاء لتزيد من غموض النص الذي وفرت للقارئ فيه مساحة من الأمل ينشر جميل أثره مثل الموسيقى التي يستمع إليها الإنسان في كلتا حالاته ( المبهجة ونقيضها)،وهنا جاءت على توضيح ما أعترى المخاطب من هموم فقالت ( أعصف في صواريك التياعي) وهذه صورة تعبر عن الاحساس بالهزيمة الننفسية التي تمزق الروح وتترك احساساً باللوعة.
أتركه على خد
الوسادة دمعة ﹼحرى
وأنفاسا ﹸتح ﹼل ﹸق
مثل ذاك الحزن
في ﹶع ﹶب ﹺق السواقي,
عاشقان أنا ﹶوأنت
ﹶنلف ﹰبعضا
مثلما ﹶتلتف ﹸ أغصان الغروب
على ﹶشواطئ ﹶأسر
ﹾفتفي قهرها أو ﹶهﹶاجﹾرت مثل
الطيور إلى ﹶأقاصي ﹾالذاكرة
وبصورة حسية تمتزج بالعاطفة جسدت صورة لهيب صورة رومانسية يغلب عليها الطابع التأملي الذي جهدت فيه لتصوير الحزن والحب كشعور متداخل يعبر عن حالة وجدانية مركبة لتصوير لحظة تأمل شاعرية جسدتها دمعة على الوسادة تعقبها أنفاس مقطعة ،وهي تعبير دقيق عن حزن عميق فينتاب النفس حتى يصل إلى هذا (النشيج) (الوسادة دمعة حرى، وأنفاساً تحلق)، تعبير قد يكون مثالي حقيقي حين وظفته لهيب في تلك الجزئية الدلالية ،ونجحت فعلاً في ايصال مفهوم ما قصدت عبر ما أنتقته من مفردات( تصوير طبيعي للحدث) والصورة التي تعتمد على الطبيعة في التعبير عن المشاعر تضفي مزيداً من التفاعل والتأمل على شكل النص ومضمونه.
هذه التأملية التفاعلية التي صبغت بها لهيب عبد الخالق هذا الجزء من النص ،اظهرت من خلاله حالة عاطفية راقية تلغي ال(أنا) وتنصهر الذات العاشقة وتندمج المشاعر فيها ( مثلما تلتف أغصان الغروب)، ابرزت الخيال كعنصر حقيقي في النص قادر على شحن النص بالعاطفة المطلوبة،ومن جهة أخرى الإرتقاء بمستوى التفاعل مع القارئ عبر إنتقاء الكلمة ومرادفها بدقة وحذر ،وهو أسلوب حرفي متقن أجادته لهيب وتمكنت من تحقيق ما أرادت من تشكيل انعكست أبعاده على النص.
ﹶنُّنسل من ﹺطين الخليقة
ﹶمثل جرح ﹴنافر
أو ﹶنهدﹺين ﹸتغشيان
ﹶبريق ذاك الوجد
ﹶتنطويان في عرق النخيل
ﹸترقر ﹶق ان
الشوق ﹰأغنية ﹶكلفح
الهاجرة .
غلب على النص التأمل الوجودي نوتلك مساحة ربما يعدها البعض من النقاد أو يحسبها على الصيغ الفلسفية في الشعرنوهي قريبة أو في خضم ذاك التفسير، لكن الشعر الفلسفي الوجودي مضامين لاتنطبق على ما جاءت به لهيب في نصها،قد يحمل نصها لمحة من تلك التوصيفات ،لكن لايطلق عليه نصاً فلسفياً أو وجودياً بمعنى (المدرسة الوجودية)*، تناول النص مسالة الوجود من باب النشأة من الطين،وهي حتمية فكل الوجود الإنساني من الطين أي أن الموضوع محسوم وبنصوص قرآنية لاجدال فيها،وهنا أنتفت صفة ( النص الفلسفي الوجودي) عن نص لهيب عبد الخالق فهي قد نقلت ولن تنشأ الفرضية.
هي أرادت أن يكون المدخل بصورة الحدث الفلسفي ،وكان لها وجميل ما أتت به فقد جردت الصورة الشعرية التي رسمتها من التزويق والبهرجة اللغوية والزيادات الفلسفية ،ونقتها بما مزجتها معها من الحب والشوق والرغبة والألم والإثارة(نهدين تغشيان بريق الوجد)، (عرق النخيل” و”أغنية كلفح الهاجرة) وفيها تعبير عن المشاعر القاسية والملتهبة التي تترك تأثيراتها على المحبين، تلك المشاعر والتقلبات وأشكال العشق والرغبات تؤسس لمشهد الحدث في النص، لذلك ظهرت صورتها بكل جرأة تحمل من الإحساس ما يضفي الدهشة على المشهد الشعري بكامل تأثيره على النص .
ظلّ النرجس
ﹸيترنح ﹸسمت
ﹺالضوء ﹶوي
ﹸكبش ما أبقى
ﹸأيلول على ﹸشر
ﹶفت نا,
أتذك ﹸر حين تمر ﹶبي
الأﹸشباح, ﹰسياجا يملؤه
ﹸالآس ﹸوأعراق
حملت لهيب النص نبرة من الحزن وكعهدنا بقصائد الديوان الأخرى ،أو الطابع الغالب على ديوانها ( ماقالت الريح لليل) يحمل طابع الحنين والتأمل ، بزت الأحداث فيه اعتماداً على الذاكرة الحسية نوالأحداث التي داخلتها لهيب لتنشأ منها دراما الحدث ،أو الحبكة الدرامية للنص ،ومنها أرادت ان تجسد اللحظة الحسية الدافئة وتفاصيلها التي أراتدت لها أن تغلب على التفاصيل اليومية التي داخلتها مع المكان والزمان وحتى الحدث .
الشحن العاطفي واضح في ثنايا النص ،استعادة الأحداث من الماضي، استذكار اللحظات، (الشاي ، النعناع، شمس العصر) كل تلك الرموز مشحونة بالعاطفة لما فيها من دلالية حسية تترجم ما حدث حينها لتنسج منها مشهداً يضج بالحنين يعود بالقارئ للجذور وما ينتمي إليه لكن بشوق يطغى حتى اللحظة ويعبر مداها.
“الشحن العاطفي المتصارع بين الروح والجسد سبب أصيل في تجاذب وتدافع وتنافر قواميس اللغة ودلالاتها وتشعّبها في هذا الديوان، حيث تشكل القصيدة مرآة شاعرها”(2) .
الجوري ﹸوزاوية ﹺالنعناع
ﹺالأخضر ﹸحيث ﹸأﹸهيء ﹶشاي
أبي, ﹸوالشمس تجر
ذيول العصر هناك ﹶكبوت
ﹶكم هر في ﹸحضن
ﹺالطين,
باسلوب تاملي هادئ كما العادة في ديوانها أستطاعت لهيب عبد الخالق أن تسوق الاحباط ليكون مقبولاً في مضامين نصوصها ،وبلغة شعرية راقية ورقيقة ومشاهد بصرية جميلة لترسم لنا مشهداً من الحنين للماضي،الصور التي جاءت بها لهيب حسية حركية متقنة في ابعادها وألوانها ، صور مفعمة بذاكرة طبيعية شكلت ربما جزء من ذاكرة النص ،أو الذات الشاعرة ،استطاعت من خلالها لهيب أن تشكل بعداً أخر أمتاز باحتواءه للزمن ،وأن يكون مؤثر نفسياً حتى في تناقضات الصورة التي جاءت بها لهيب وتمثلت بالدفء والغياب.
نص حالم يضج بالحنين لصورة الأب ومشهد الشاي عند شمس العصر ،رسمته لهيب بصورة جمالية غاية بالروعة عكست كل تلك المشاعر ونجحت بتوظيف الصورة الشعرية المدعمة بتأثير الزمان وجمالية المكان وبدلالة المشاعر باسلوب تأملي يمزج بين الحزن والجمال.
“ما قالت الريح لليل” حمل صوراً حسية جريئة كرست من خلالها الشاعرة الإثارة والرغبة ،وربطت بين المشاعر بإختلاف سماتها واشكالها، نقلت طبيعة الفقد القاسية، كما سجلت ما مشاعر الحنين للماضي بتداخل رائع بين الزمان والمكان ،والتي عبرت عنهما بدلالة حسية ورمزية معبرة ودقيقة ،ونجحت بإثارة القارئ واستمالته نحو أبعاد قد لايقرأها عند شعراء آخرين بلغة مكثفة مالت فيها إلى الرمزية التي تتوافق والايقاع الموسيقي التشكيلي الذي يرافق الأداء الشعري.
نص متفاوت التصور ما بين سمتي الخلق والرغبة، غني بالدلالات الوجودية،قدم حقائق قائمة حول خلق الإنسان من طين واصفاً إياه بأنه كائن يوصف بالوجد واللهفة، وعكس تجربة عاطفية عميقة، بلغة تصويرية شاعرية، تستحضر مشاعر الحب والحزن معًا في مشهد تأملي داخلي، يحمل دعوة للتعبير والانطلاق رغم الألم، والثبات رغم التقلّبات، والانغماس في الحياة كفعلٍ شعري جميل،إلأا انه يحمل طابعًا رمزيًا وتأمليًا، ويدعو إلى الثبات والتحرر في آنٍ واحد.
لهيب عبد الخالق شاعرة من جيل الثمانينات وكاتبة ومؤسسة وعضوة هيئة إدارية لمنتدى الأدباء الشباب، عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، عضو نقابة الصحفيين العراقيين بدرجة سكرتير تحرير، تكتب بالنقد والبحوث الأدبية ومترجمة للشعر الإنكليزي صدر لها :
− انكسارات لطفولة غصن − مجموعة شعرية, منشورات آمال الزهاوي شركة عشتار للطباعة والنشر والتوزيع بغداد عام 1987.
− وطن وخبز وجسد, مجموعة شعرية, دار الشؤون الثقافية العامة, بغداد 1999.
− بين انهيارين− الاستراتيجية الأمريكية الجديدة (كتاب سياسي), صدر عن الدار الأهلية – الأردن عام 2004.
− ترانيم سومرية, مجموعة شعرية, صدرت عن الدار الأهلية
−الأردن عام 2014.
− سوسيولوجيا الدم – مجموعة مقالات ودراسات صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر− بيروت عام 2015.
− مسافة جرح, مجموعة شعرية, صدرت عن الدار الأهلية− الأردن عام 2019.
•كاتبة سياسية ولها دراسات سياسية وإعلامية باحثة في مجال الإعلام, لها نحو 300 بحثا في ﹼكل مجالات الإعلام والسياسة والثقافة, نشرت في صحف عربية وعدة مراكز دراسات.
1-قرآن كريم ، سورة الفجر ،الآية (7).
2-الدكتور ناصر حسين النزر،الشعر بين الرويَّة والبديهة و الروح والجسد، قراءة في ديوان (قبل التيه برقصة) للشاعر والناقد هاني الحسن،موقع المطيرفي ، 2023/05/29.
* المدرسة الوجودية هي اتجاه فلسفي وفكري ثم تحول إلى تيار أدبي وفني، يركّز على الوجود الإنساني الفردي، والحرية، والاختيار، والقلق، والعبثية، ويُعلي من قيمة التجربة الشخصية على أي نظام خارجي أو عقلاني.
*