الثقافية

في صبرنا يتحقق الأمل

الكاتبة / سلوى خلفان المقبالي -سلطنة عُمان

في هذه الحياة، لا شيء ثابت، ولا شيء يبقى على حاله. كل شيء مرهون بلحظة، قد تتحوّل فيها السكينة إلى عاصفة، وقد يتحوّل الأمان إلى سؤال مُعلَّق في الهواء، نبحث عن إجابة له في فراغ الزمن. نعيش في عالم لا يدوم على حال، ونُختبر كما تُختبر الجذور في مواسم الجفاف، فتنكسر فروعها وتذبل أوراقها، ولكنها لا تنكسر للأبد، بل تبقى ثابتة في الأرض، تُجاهد لتحيا مجددًا. نُقلَب كما تُقلَب الصفحات في كتابٍ كتبه الزمان بالحبر والدمع، فكل لحظة تحمل بين طياتها دروسًا قد نكون على غير استعداد لتعلمها، لكنها تعلمنا حتى وإن كرهنا ذلك.

لكن في وسط هذه التقلبات، لا ينبغي لنا أن ننسى أن الله لا ينسى عباده أبدًا، وأنه إذا اشتد البلاء، فذلك لأن الفجر على بُعد نفسٍ واحد. في تلك اللحظات التي نشعر فيها أن الدنيا قد ضاقت علينا، وأن الطريق مظلم، علينا أن نتذكّر أن الفرج لا يموت، بل يتأنّى في القدوم، مثل عاشقٍ ينتظر لحظة اللقاء، ويعرف أن اللقاء الأجمل هو الذي يأتي بعد طول انتظار. نحن في هذا العالم مجرد مسافرين، نمرّ بلحظات من الضعف والبلاء، لكن ما نشعر به ليس النهاية، بل هو بداية لشيء أعظم.

إن خيبات الأمل التي قد نمرّ بها هي جزء من هذه الرحلة، وكل خيبة متوقعة في هذه الحياة. قد تأتي الخيبة من أشخاص ظننا أنهم سند لنا في هذه الدنيا، وقد نكون قد وضعنا فيهم أملًا لا يُنكر، لكن الحقيقة أن كل إنسان يحمل في قلبه ماضيه الخاص وتاريخه الذي لا بد أن ينتهي في لحظة ما. لا يوجد إنسان في هذه الدنيا قادر على الوفاء بشكل دائم، ولا يوجد شيء يبقى على حاله. قد يأتي الشخص الذي خذلنا، أو الذي لم يكن بمستوى توقعاتنا، ليعلمنا درسًا في الصبر وفي التحمل. هذه الخيبات ليست أكثر من دروس تتهيأ لنا لكي نصقل أنفسنا ونقوي عزائمنا.

لكن رغم كل ذلك، فإن الله لا يخيّب رجاءنا. هو القادر على أن يبدل لنا الخيبات، ويحوّلها إلى لحظات من الإنجاز والفرح الكبير. حين نصبر، ونمضي في الطريق رغم الألم، نعلم أن الله سيرزقنا في النهاية بما هو أعظم من كل ما فقدناه. إذا كانت الأيام قد ضاقت بنا، فمؤكد أن الفرج آتٍ. فالله لا يدع عباده يتيهون في ظلمات الشكوى، بل هو معهم دائمًا، يبدل أوقاتهم المتعبة إلى لحظات من الفرح والسلام. فكل صبر نقوم به اليوم هو خطوة نحو الإنجاز الذي ننتظره، وهو حصاد ما نزرعه في تلك اللحظات التي يظن البعض أنها ضياع.

وحتى لو كانت الخيبات تأتي من أشخاص أحببناهم أو ارتبطنا بهم، فعلينا أن نعلم أن هذا هو جزء من مشيئة الله، وأنه سوف يرزقنا بأشخاص آخرين، يقدروننا كما نحن، ويشبهوننا في فكرتنا عن الحياة. هؤلاء الأشخاص الجدد قد يكونون أكثر قدرة على فهمنا، على تقدير ما قدمناه من تضحيات، وأكثر استعدادًا للوقوف إلى جانبنا في محطات الحياة. هؤلاء الأشخاص سيعطوننا طمأنينة، ويجعلوننا نشعر أن هناك دائمًا من يقدّر ما نمر به، ومن يفهم أعماق قلوبنا.

ورغم أن تلك الأيام المتعبة التي أثقلت كاهلنا قد استنزفت قوتنا، فإن الله في حكمته لا يتركنا في محنتنا، بل يحوّلها إلى فرص جديدة للنمو. إن الصبر على البلاء هو وسيلة الله لتهيئتنا لما هو أعظم، للنجاح الذي سيأتي بعد جهد طويل، وللطمأنينة التي ستغمرنا بعد العواصف. وكل شيء في حياتنا له وقت مقدّر، وكل تجربة مهما كانت مؤلمة ستنقضي، وسيحلّ مكانها أوقات من الفرح والنجاح. فالله لا يخيّب عباده، بل يعينهم في كل لحظة من لحظات الضعف، ويجعل من تلك اللحظات دروسًا وحكمًا تبني فينا القوة والثبات.

أخبرنا التاريخ أن الله لا يضيع أجر من صبر، وأنه يعطي في النهاية أفضل مما نتوقع. فصبرنا اليوم سيجلب لنا الفرج غدًا، وإيماننا بالله سيقودنا إلى الأمان. وسواء كنا نمر بأوقات صعبة أو نعيش خيبات أو نقابل أشخاصًا لم يقدرونا، علينا أن نؤمن أن الله سيبدلنا بأناس آخرين، يشبهوننا في كل شيء، ويقدرون ما نحن عليه. ومعهم سنحصل على ما نستحقه من حب وتقدير، وسنعيش بسلام نفسي وطمأنينة بال. وكل شيء سيأتي في وقته، وكل لحظة نعيشها هي جزء من خطة الله لنا، التي قد لا نراها الآن، لكنها ستظهر لنا في الوقت المناسب، حيث سيبدل الله أيامنا المتعبة بأيام من الفرح العظيم والإنجاز الكبير.

فالفرج لا يموت، بل يتأنى، ويأتي في الوقت الذي يكون فيه أكثر قيمة
سلوى واشياء كثيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى