قصائد و مقالات

أهمية الإنتاج الفني والدرامي في ظل الحرب

" وجه الحقيقة "

✍️ إبراهيم شقلاوي :

تعيش الدراما السودانية مرحلة مفصلية في ظل الصراع المستمر الذي يمزق البلاد منذ قرابة عامين. ورغم المحاولات الفردية لتقديم أعمال فنية توثق معاناة الشعب السوداني، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً نحو إنتاج درامي ذكي يحفر في جذور الأزمة ويطرح أسئلة حقيقية حول المستقبل. في هذا السياق، حاول عدد من الفنانين السودانيين تقديم أعمال درامية خلال مشاهدة خلال شهر رمضان ويجري إعداد اخري للعيد بحسب مشاهدات ، لكن معظم هذه الأعمال لم تكن قادرة على الوصول إلى معالجة أعمق وأكثر تأثيرًا في الواقع السوداني . 

وسط النزوح الجماعي للمواطنين سواء داخل السودان أو إلى دول الجوار، يواجه الفنانون السودانيون تحديات كبيرة، أبرزها غياب المؤسسات الثقافية الرسمية في البلاد، فضلاً عن التدمير الجزئي للمسرح القومي والنهب الذي طال دور السينما. وبالرغم من هذه الصعوبات، يظل الفنان السوداني يحمل على عاتقه مسؤولية توثيق المعاناة السودانية وتجسيدها في أعمال فنية قد لا تكون في المستوى المتوقع، لكنها تعبر عن واقع مرير. هذا رغم أن البعض من النقاد والجمهور اعتبر هذه الأعمال أقل جودة فنياً، بينما أشاد آخرون بها لما تمثل من إصرار على إنتاج الفن في ظروف صعبة.

شهدت الدراما السودانية في السنوات التي تلت سقوط نظام البشير في 2019 انتعاشة ملحوظة، حيث تحرر العديد من الفنانين من القيود الرقابية، وزادت الإنتاجات التي تبرز الواقع السوداني بكل تناقضاته. ولكن مع بداية الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، عادت الدراما لتواجه تحديات جديدة، وتراجعت قدرتها على المساهمة في استقرار الحالة الاجتماعية والسياسية في البلاد.

وفي هذا الصدد، نجد أن تجارب دولية مثل تلك التي مر بها لبنان ورواندا تقدم دروسًا غنية حول أهمية دور الفن في بناء السلام وتعزيز المصالحات الاجتماعية بعد الحروب. فقد استطاع الفنانون في لبنان بعد الحرب الأهلية تقديم أعمال فنية متميزة ساعدت في رتق النسيج الاجتماعي، بينما لعب الفن الرواندي دورًا محوريًا في تعزيز التسامح بعد الإبادة الجماعية. من خلال هذه التجارب، نرى كيف يمكن للفن أن يصبح أداة فعالة في إعادة بناء المجتمع، وجسرًا لتجاوز الآلام العميقة التي تتركها الحروب.

إلا أن هذا الدور لا يمكن أن يكتمل إلا بتعاون الدولة والقطاع الخاص في توفير الدعم اللازم للمبدعين، وتسهيل إنتاج الأعمال الفنية. في السودان، حيث توجد القدرة على الإبداع والابتكار رغم الظروف القاسية، يجب أن تتبنى المؤسسات الحكومية والخاصة سياسات تضمن توفير البيئة المناسبة للمبدعين من خلال توفير الموارد وتسهيل الوصول إلى الدعم الفني والمالي. من المهم أن يتعاون الجميع في دعم هذا القطاع الحيوي الذي يعد أحد المحاور الأساسية في أي عملية بناء سلام واستقرار طويل الأمد.

إن دعم المؤسسات الفنية في السودان ليس مجرد تكملة أو رفاهية، بل هو ضرورة استراتيجية لإعادة بناء الهوية الثقافية للبلاد، وخلق مساحة آمنة لتبادل الأفكار والآراء، والتفاعل مع الآلام الجماعية عبر الفن. إذا كانت الدولة قد قصرت في دعم القطاع الثقافي في العهود السابقة، فإن التغيير يبدأ الآن، ويجب أن يشمل استثمارات في المجال الفني والدرامي، وتشجيع التفاعل بين الحكومة والقطاع الخاص لخلق مشاريع ثقافية مستدامة.

إذن وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة ، يظل الأمل معقودًا على قدرة الفنانين السودانيين على تحويل معاناتهم إلى رسائل أمل وسلام. إن استنهاض المبدعين وتوفير الدعم اللازم لهم من الدولة والقطاع الخاص يمثل ضرورة لا بد منها لإعادة بناء النسيج الاجتماعي السوداني. وعلى الجميع أن يدركوا أن الفن ليس مجرد ترف، بل هو ركيزة أساسية في مسار السلام وإعادة الإعمار الذي يحتاجه السودان في مرحلة ما بعد الحرب.

دمتم بخير وعافية.
الاربعاء 26 مارس 2025 م [email protected]

عبدالله الحائطي

المشرف العام و رئيس التحرير لصحيفة الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى