صقر من الجنة

 قصة قصيرة

بقلم:  د . سعاد حسني

في إحدى الليالي المصرية الجميلة، الدالة على الونس والدفء، والانسجام بين طبيعة الكون المختلفة. وفجأة تنبثق ليلة حالكة السواد، بطيئة الترحال، في سماء مكبلة بالغيوم، والتى لا تعلم من أين تأتي رياحها ذات العواصف المقتلعة للثوابت من جذورها. القاضية على كل ماهو أخضر مبهج، مريح للطبائع البشرية، وروحها.

وكأن القمر مات مخنوقا في مكمنه، وكأن النجوم لفحها الظلام ملتفا حولها؛ فلم يعد لها حتى لو بصيص ضوء خافت. وترى النهار يدخل في خلسة رويدا رويدا متحسسا وكأنه لا يريد أن تظهر ملامحه. وكأنه يتمنى أن لا تشرق الشمس بخيوطها الذهبية المشعة بالدفء والضوء المنير؛ معترضا على ما يدور حوله من نزاعات وانتهكات تسطو على حقوق الأخرين بلا هوادة ولا رحمة. رافضا لكل ما يخدم الإنسانية والبشرية.

قاصدا أن يدمرها في أحشائها؛ ليقضي عما بداخلها؛ حتى لا تلد البكارى معلنة بداية فجر جديد مملوء بالأمل، والتفاؤل، والنجاح، والتفوق. وفي وسط كل ما سبق يظهر في سماء مصر صقر قوي مترقبا، فاهما لكل ما يحاكي لوطنه. دارسا لأوضاعه وأوضاع ما حوله من دمار وخراب وتفتت. صقر ذو نظرة حادة، له رؤية صائبة شاملة كل الاتجاهات. فاردا أجنحته على أحبابه؛ ليستظلوا بحمايته. محاوطهم بكل ما يملك من قوة. ناظرا لأعدائهم نظرة حادة مفحمة بالكراهية والغضب الشديد. صقر ذو همة عالية، حاد الذكاء كعادته له هيبة غير عادية

لهذا يسود الصقور بكل ارتياحية دون تعصب أو انفعال. وعندما اشتد الخراب وفتح باب الفوضى على مصراعيه انقض الصقر من السماء؛ داعيا أحبابه أن يساندوه، طالبا منهم أن تمتزج قوتهم بقوته؛ ليكونوا جبهة واحدة أمام العدو. وبالفعل أخذ الخطوة الجريئة والتف حوله أحبابه، وجيش الصقور الجرار حولهم. وطهر وطنه من كل خائن يريد المساس بوطنه. ملقنه درس الوطنية في أسمى معانيها، محققا انتصارات و انتصارات عديدة حتى خرج بوطنه إلى بر الأمان. متحصنا من لدغة العقارب التي تحوم حول وطنه. باغيا وجه الله تعالى، راجيا منه المساندة والعون.

وليس هذا فحسب بل أنه أعاد بناء وطنه من الداخل وشيده من جديد في كل شبر من أرضه وكأن وطنه عروس يجهزها في ليلة عرسها يقدمها هدية لعريسها في أبهى وأجمل صورها. وتمر الأيام وتتوالى الأحداث المفاجئة والمرتب لها، ولكن العجيب أنه في كل موقف وحدث تجده صقرا جريئا ذا مخالب يغرزها في قلب من تسول له نفسه النيل من وطنه وأحبابه. وتكثر حوله المناورات والحيل ولأنه صقر فهو يقظ يعي لكل مؤامرة تدبر له ولوطنه، بل يرد صاحبها خائب الأمل، صافعه على وجهه صفعة يندم عليه طوال عمره يا له من صقر. إنه بحق صقر من الجنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى