إعلان أبو تريكة والنخبة المنعزلة

✍️ رامي لبيب علم الدين:
أثار ظهور اللاعب السابق محمد أبو تريكة في مادة إعلانية موجة من الغضب والاستنكار، وهو غضب مشروع نظراً للرمزية التي يحملها أبو تريكة في سياق سياسي معقد، ومع ذلك، فإن تأويل هذا الحدث إلى غير موضعه وتحميله دلالات غير واقعية يمثل خطأ آخر لا يقل عن الخطأ الأول.
فقد استغل البعض هذا الإعلان للحديث عن “مصالحة” مزعومة بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان الإرهابية، الملطخة بدماء شهداء الوطن من الجيش والشرطة والأبرياء من شعب مصر ، بل وذهب بعض المحللين إلى الادعاء بأن هذا الظهور تم بموافقة من الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصياً، وكأننا أمام رواية هزلية يدّعي أصحابها أنهم “العالمون ببواطن الأمور”. الحقيقة أن الجهة المسؤولة عن هذا الملف هي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برئاسة المهندس خالد عبد العزيز، وهو الجهة المخوّلة قانوناً بمراقبة الإعلانات واتخاذ إجراءات ضد أي محتوى غير ملائم، وليس الهيئة الوطنية للإعلام برئاسة أحمد المسلماني، كما حاول البعض الترويج.
رغم محاولات البعض تصوير محمد أبو تريكة على أنه مجرد لاعب كرة قدم ناجح، إلا أن الحقيقة أكثر تعقيداً، فهو متورط في دعم وتمويل جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، التي سعت إلى زعزعة استقرار الدولة المصرية عبر العنف والإرهاب، في عام 2017، أدرجت محكمة الجنايات المصرية أبو تريكة على قوائم الإرهاب، ضمن قضية تتعلق بتمويل جماعة الإخوان، حيث ثبت تورطه في ضخ أموال لصالح أنشطة الجماعة، تم التحفظ على أمواله في مصر، بعد ثبوت استخدام شركاته في دعم وتمويل الجماعات الإرهابية، هروب أبو تريكة إلى قطر، حيث وفّرت له الدوحة ملاذًا آمنًا كجزء من استراتيجيتها لدعم العناصر الإخوانية الهاربة، يؤكد على ارتباطه الوثيق بالتنظيم الدولي للإخوان، استمر أبو تريكة في الترويج للأجندة الإخوانية من خلال تصريحاته الإعلامية، التي يستخدمها لتلميع صورة الجماعة وإثارة التعاطف معها.
في خضم هذا الجدل، سارع بعض الإعلاميين والمحللين، الذين يفترض أنهم يمارسون التحليل العقلاني، إلى الترويج لسردية أن تراجع شعبية الرئيس السيسي هو ما دفع الدولة إلى “اللجوء للإخوان” عبر هذا الإعلان في محاولة لترميم هذه الشعبية، وهذه السردية لا تصمد أمام الواقع، إذ إن موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية، ورفض الرئيس السيسي الحازم لمخططات تصفية القضية، عزز من شعبيته بشكل واضح، كما ظهر جلياً في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث حصل على نسبة تأييد أعلى مما كانت عليه في ولايته الأولى والثانية، وهنا يقع بعض هؤلاء الإعلاميين في تناقض صارخ، حيث يعترفون ضمنياً بأن التيار الإسلامي – وليس التيار المدني – هو البديل السياسي الأكثر حضوراً وتأثيراً في حال حدوث أي تراجع في شعبية النظام، مما يكشف بوضوح عن عزلة التيار المدني عن الشارع المصري، وعدم امتلاكه لقاعدة شعبية حقيقية على الأرض. هؤلاء لا يتجاوزون “جيتو” النخب المثقفة ومنصات التواصل الاجتماعي، لكنهم لا يملكون أي تأثير يُذكر في الواقع السياسي أو الاجتماعي.
الرئيس والإخوان من اللافت أن البعض يحاول تصوير إدارة الرئيس السيسي على أنها “متساهلة” مع التيار الإسلامي، وهي مغالطة تتجاهل الحقائق على الأرض، فالسيسي لم يكتفِ فقط بتصنيف الإخوان كجماعة محظورة، بل قام بحل أحزابها السياسية والجماعات المتطرفة المرتبطة بها، مثل الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، ولم يتبقَ سوى حزب النور، الذي يخضع لرقابة صارمة، ويُدار بمنهجية مختلفة تماماً عن السابق، وفيما يتعلق بالمواجهة الأمنية، فإن الدولة المصرية خاضت وما زالت تخوض حرباً شاملة ضد الإرهاب في سيناء والمحافظات، عبر أدوات عسكرية وأمنية وقضائية، إلى جانب تجفيف منابع التمويل وتجميد الأصول وملاحقة القيادات داخل وخارج مصر، وهو ما انعكس في التحالفات الإقليمية والدولية التي تقودها القاهرة لمحاربة الجماعات المتطرفة، والطريف أن كثيراً من المحسوبين على التيار المدني كانوا في وقت ما متوافقين مع الإخوان، واعتبروهم “شركاء ميدان” أو “رفقاء ثورة”، لكنهم اليوم يريدون الظهور في موقع الضحية أو الحكم الأخلاقي على سياسات الدولة، رغم أنهم أنفسهم كانوا جزءاً من المشكلة في مراحل سابقة.
الحقيقة أن بعض المنتمين إلى التيار المدني لا يزالون يمارسون دور “النخبة المنعزلة”، حيث يريدون فرض أجنداتهم على الدولة دون أن يكون لهم أي امتداد شعبي حقيقي، ويعتقدون أن أي قرار أو سياسة لا تتوافق مع رؤيتهم يجب أن تُدان فوراً وإلا “سُحبت صكوك المدنية” من النظام، وهنا يبرز التساؤل: متى يكون للتيار المدني دور حقيقي في الشارع المصري؟ متى يستطيع بناء كيان ثقافي أو اجتماعي مؤثر، بدلاً من الاكتفاء بالجدل الإعلامي والتنظير؟ متى يتم تنقية صفوفه من بعض الشخصيات التي كانت جزءاً من التيار الإسلامي ثم تحولت إلى مدّعي التنوير لتحقيق مكاسب شخصية؟ متى يتم التخلص من مدّعي العلمانية الذين يستخدمون القضية المدنية كوسيلة للمزايدة أو لتحقيق أغراض شخصية؟
الحقيقة وسط الضجيج يجب أن نتعامل مع أي خطأ ضمن سياقه الصحيح، لا أن نخلط الأوراق ونحوّل الأمر إلى هجوم شامل على الدولة أو النظام. فالغضب من الإعلان مشروع، ولكن المبالغة في تأويله وتحميله أبعاداً غير منطقية ليست إلا محاولة لخلق أزمة وهمية، وفي النهاية من يبقى هم الثابتون على الأرض، الذين يدركون طبيعة المعركة الحقيقية، بينما المتقلبون والمزايدون هم أول من يسقط مع أول اختبار حقيقي، كما تسقط الأوراق الصفراء في الخريف، تاركةً الجذور والأفرع القوية صامدة في وجه العواصف.
نعم، كان خطأً من النادي الأهلي أن يضم صورة محمد أبو تريكة في إعلان دعائي، وذلك لعدة أسباب تتعلق بالسياق السياسي والقانوني المرتبط باسمه، وإدراجه على قوائم الإرهاب: أبو تريكة مدرج على قوائم الإرهاب في مصر بسبب دعمه وتمويله لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يجعل ظهوره في إعلان رسمي للنادي مثيراً للجدل، خاصة أن الأهلي كيان رياضي وطني وليس طرفاً في أي جدل سياسي، الإعلان لم يمر مرور الكرام، بل أثار ضجة واسعة بين الجماهير، وأعطى فرصة لخصوم النادي لاستغلاله سياسياً، مما كان يمكن تجنبه بسهولة بتجنب ظهور شخصيات مثيرة للجدل والتأثير على صورة النادي، لذلك كان يجب على إدارة النادي والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مراجعة الإعلان جيداً قبل بثه لتفادي أي أزمة، من غير المرجح أن يكون إدراج صورة أبو تريكة قد تم بشكل متعمد لدلالات سياسية، بل هو على الأرجح إهمال أو سوء تقدير من الجهة المنتجة للإعلان، وربما من الإدارة المسؤولة عن التسويق داخل الأهلي. ومع ذلك، هذا لا يعفي النادي من مسؤولية هذا الخطأ، خاصة أنه من السهل تجنبه.
الخلاصة.. نعم، كان خطأً تسويقياً وإدارياً، لكنه لا يعني بالضرورة أن هناك نية سياسية وراءه، الأهم الآن هو تصحيح الموقف وضمان عدم تكراره مستقبلاً حفاظاً على صورة النادي ومكانته، إصدار بيان توضيحي من الأهلي يوضح أن ظهور أبو تريكة كان جزءاً من التاريخ الرياضي للنادي وليس موقفاً سياسيا، التأكيد على أن الأهلي لا يتدخل في السياسة ولا يروج لأي شخصيات ذات صلة بكيانات محظورة.