دولة واحدة.. لماذا لا نعمل كجسد واحد؟

بقم: مهندس صلاح الجنيدي

في كل يوم، نشهد مشاريع تنموية كبيرة تسعى لحل مشكلات ملحة وتحسين حياة المواطنين. بناء الكبارى لتخفيف الاختناق المروري، إقامة مشروعات الإسكان، وتطوير البنية التحتية كلها خطوات هامة. لكن، في بعض الأحيان، نجد أن هذه الحلول تأتي على حساب جوانب أخرى لا تقل أهمية، مثل الجمال الحضاري، التراث، أو حتى الحقوق المكتسبة للمواطنين. لماذا يحدث هذا؟ ولماذا يبدو أننا في بعض الأحيان نتصرف كجزر منعزلة رغم أننا دولة واحدة؟

التنسيق الغائب.. والأثمان الباهظة

خذ مثالًا بسيطًا:
مدينة تعاني من ازدحام مروري، فيتم اتخاذ قرار ببناء كوبري لحل المشكلة. لكن، هل تم الأخذ برأي المتخصصين في التخطيط العمراني والجمال الحضاري؟ قد نجد هذا الكوبري يقام على كورنيش جميل كان متنفسًا للأهالي، أو في موقع أثري يضيع معه جزء من هوية المكان. صحيح أن الازدحام سيُحل، لكننا خسرنا شيئًا آخر بنفس الأهمية: الجمال والهوية.

مثال آخر أكثر فداحة:
محافظة تعلن عن مزاد لبيع قطعة أرض، يتم البيع وفق القانون، يحصل المشتري على كل التراخيص المطلوبة، يبدأ في البناء وينفق ملايين الجنيهات، ثم فجأة تفاجئه جهة حكومية أخرى بأنها تعترض على المشروع! تدخل القضية في نزاع قضائي، تتوقف الأعمال، ويتحمل المواطن الخسائر، وتُهدر أموال الدولة والمستثمرين على السواء.

وهناك المثال المتكرر يوميًا:
يتم تمهيد طريق جديد بأفضل المواصفات، وبعد أسابيع قليلة تأتي جهة أخرى لحفره مجددًا من أجل توصيل مرافق! لماذا لم يتم التنسيق مسبقًا بحيث تُنفذ كل الأعمال معًا دون إهدار للوقت والمال والجهد؟

لماذا نتصرف كجزر منعزلة؟

السبب الرئيسي هو غياب التنسيق الفعّال بين الجهات المختلفة، رغم أننا جميعًا نعمل تحت راية دولة واحدة. القرارات تُتخذ في نطاق كل جهة بشكل منفصل دون النظر إلى الصورة الكاملة، ودون إشراك جميع أصحاب المصلحة في القرار منذ البداية.

الحل: العمل كمنظومة واحدة

لكي نصلح هذا الوضع، علينا تبني نهج جديد في الإدارة والتخطيط، يقوم على:

1. التخطيط المشترك: قبل اتخاذ أي قرار كبير، يجب إشراك جميع الجهات المعنية، سواء كانت حكومية أو منظمات مجتمع مدني أو خبراء متخصصين.

2. لجان تنسيق دائمة: يكون لكل مشروع لجنة تجمع جميع الجهات ذات العلاقة لضمان عدم التعارض في القرارات.

3. إشراك الرأي العام والخبراء: لأن هناك اعتبارات ثقافية وجمالية يجب أخذها في الحسبان، وليس فقط الجوانب الفنية أو الاقتصادية.

4. قاعدة بيانات وطنية موحدة: بحيث تعرف كل جهة ما يتم التخطيط له في أي منطقة، فلا يحدث تعارض أو إعادة عمل غير ضرورية.

 

رسالتنا.. دعونا نعمل بروح واحدة!

إذا كنا نريد أن نبني دولة حديثة ومتقدمة، فعلينا أن نعمل كفريق واحد، وليس كجهات متنافسة كل منها تسير في اتجاه مختلف. القرارات التي تُتخذ بمعزل عن الصورة الكاملة تؤدي إلى مشكلات قد تكلفنا أضعاف ما كنا نريد توفيره.

نحن دولة واحدة.. فلنعمل كجسد واحد، حتى نبني مستقبلًا أكثر تناغمًا وكفاءة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى