السودان : المصالح في خدمة الامن القومي
" وجه الحقيقه "
![](/wp-content/uploads/2025/02/15c64d90-af68-4d60-9650-f4ddf1b32faa-780x470.jpeg)
✍️ إبراهيم شقلاوي :
في خضم الأزمات الداخلية والتحديات الإقليمية والدولية ، يبدو أن السودان بدأ جادا في الذهاب الي خيارات استراتيجية لضمان مصالحه الوطنية وأمنه القومي ، حتى لو كان ذلك يعني اتخاذ مواقف جريئة قد تثير غضب بعض القوى الإقليمية و الدولية . في ظل تعقيدات المشهد السياسي والاقتصادي الراهن ، يسعى السودان إلى إعادة تعريف سياساته الخارجية بما يخدم مصالحه الوطنية بعيدًا عن الضغوط . من خلال تعزيز شراكاته مع قوى دولية كبرى مثل روسيا وإيران والصين ، هذا يكشف أن الخرطوم بدأت تتبنى نهجًا عمليًا يوازن بين تحقيق الأمن القومي ودفع عجلة التنمية الاقتصادية .
أعلن وزير الخارجية السوداني علي يوسف مؤخرًا عن “اتفاقا كاملا” مع روسيا لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر ، مما يفتح الباب لتعاون عسكري بين البلدين . هذا الاتفاق الذي جاء بعد جولات تفاوضية امتدت لسنوات ، يعكس تحولًا في استراتيجية السودان الخارجية لخدمة أمنه القومي من خلال تعزيز قدراته الدفاعية بالتعاون مع قوى كبرى مثل روسيا التي اثبتت التجارب أنها شريك وفي يحترم السيادة الوطنية للدول.
تتيح هذه القاعدة لروسيا نشر 300 عسكري وأربعة سفن حربية ، مع توفير دعما عسكريا للسودان يشمل تحديث الطائرات الحربية والمسيرات وتزويد الجيش بأسلحة نوعية وتقنيات استخباراتية حديثة . يُنظر إلى هذه الخطوة كاستراتيجية ضرورية في ظل الحرب المستمرة داخل السودان والتهديدات الإقليمية المتزايدة . بجانب أنها تعزز جوانب أخرى في العلاقات الاقتصادية في مجالات البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية الأخرى .
أصبح البحر الأحمر الذي يُعد من أهم الممرات البحرية الدولية ساحة تنافس بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا . وبالنظر إلى موقع السودان الاستراتيجي فإن إقامة القاعدة الروسية لا تعني فقط تعزيز أمن السودان القومي بل تمنحه دورًا محوريًا في التوازنات الجيوسياسية بالمنطقة . علاوة على ذلك يمكن أن تسهم القاعدة في دعم الاستقرار الإقليمي من خلال مكافحة القرصنة والإرهاب ، وهو ما يشكل تهديدًا مشتركًا للدول المطلة على هذا الممر الحيوي .
على صعيد آخر وقَّع السودان وإيران اتفاقًا لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين البلدين. يتضمن الاتفاق الاستثمار في القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والثروة الحيوانية ، بالإضافة إلى تطوير قطاع التعدين وتعزيز التجارة البينية عبر أنظمة التبادل السلعي . كما يركز التعاون على إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي في فترة ما بعد الحرب .
هذا الاتفاق يأتي في وقت يعاني فيه السودان من عزلة اقتصادية نتيجة العقوبات الغربية ، مما يجعله يبحث عن شراكات بديلة . ويبدو أن إيران تُقدم للسودان فرصة للتعافي الاقتصادي وتطوير بنيته التحتية في ظل التحديات الراهنة . حيث يتوقع لإيران أن تساهم في مشروعات للبنية التحتية و الاستثمار في القطاعات الإنتاجية وقطاع التعدين بجانب زيادة حجم التبادل التجاري وتعزيز التعاون المصرفي .
في ظل الضغوط الغربية المستمرة على السودان ، بما في ذلك العقوبات والمطالبات بانتقال ديمقراطي يتماشى مع الرؤى الغربية ، يبدو أن الخرطوم تتبنى سياسة أكثر استقلالية . التعاون مع روسيا وإيران والصين لا يُعد مجرد تحالفات مؤقتة ، بل هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد سبق أن جربها السودان خلال فترات سابقة واستطاع عبرها من تجاوز تأثير العقوبات الامريكية . عليه فان تجدد إحياء هذه العلاقات يهدف إلى كسر الهيمنة الغربية واستعادة زمام المبادرة في رسم مستقبل البلاد . بجانب أن السودان ينظر لبعض الدول الغربية وأخرى في محيطه الاقليمي أنها تسببت في اشعال الحرب بدعمها للتمرد وبعض القوي السياسية المتماهية معه .
أيضآ يجب الإشارة إلى الدور المتنامي لشراكته مع الصين حيث ظلت العلاقات السودانية الصينية تمتد لعقود ، و تكتسب أهمية إضافية في المرحلة الحالية . بالنظر إلى قرب انتهاء الحرب ، يُمكن للصين أن تلعب دورًا محوريًا في إعادة إعمار البنية التحتية المتضررة .
من خلال “مبادرة الحزام والطريق”، يُمكن للصين تقديم تمويلات ميسرة لمشاريع استراتيجية مثل الطرق والجسور ومحطات الطاقة ، إضافة إلى تعزيز القطاعات الإنتاجية كالتعدين والزراعة . علاوة على ذلك يُمكن أن تسهم الصين في نقل التكنولوجيا الحديثة وتطوير القدرات المحلية في مجالات التصنيع والطاقة المتجددة ، مما يُسهم في تحقيق تحول اقتصادي حقيقي أيضًا وقع السودان معها عدد من الاتفاقيات الاقتصادية .
بينما تمثل هذه الشراكات فرصة لتعزيز المصالح الوطنية ، تواجه السودان تحديات متزايدة من القوى الغربية التي ترى في تحركاته مع روسيا والصين تهديدًا لنفوذها ، لكن السودان يبدو متمسكًا بنهج سيادي يستند إلى تحقيق مصالحه بعيدًا عن الإملاءات الخارجية . حتى لو كان ذلك يعني الاصطدام بمصالح القوى الكبرى . القرارات الأخيرة بالتعاون مع روسيا وإيران تعكس سياسة جديدة قائمة على تحقيق المصالح الوطنية دون الاكتراث بالضغوط ، وهو توجه قد يعيد صياغة دور السودان الإقليمي والدولي في المستقبل القريب .
من خلال قراءة هذه الشراكات المتنوعة ، وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة يتضح أن السودان يتبنى سياسة خارجية براغماتية قائمة على تحقيق مصالحه الوطنية وتعزيز أمنه القومي دون اكتراث بالضغوط الدولية . سواء في مجال الأمن القومي مع روسيا ، أو التنمية الاقتصادية مع الصين وإيران ، يبدو أن القيادة السودانية تسعى لتأمين مستقبل البلاد في ظل تحديات داخلية وخارجية غير مسبوقة . في نهاية المطاف يبقى السودان أمام فرصة تاريخية لبناء شراكات مستدامة تعزز سيادته واستقراره ، بعيدًا عن الإملاءات الغربية ، مع الاعتماد على التعاون المثمر مع شركاء يشاركونه رؤيته الاستراتيجية .
دمتم بخير وعافية .
السبت 15 فبراير 2025 م. [email protected]