باختصار أنت بشر وروح
✍🏼 صالح الريمي :
تجد اليوم لاتجلس مجلس قوم إلا وتجد كل فرد ماسكًا تلفونه، مشغولًا به، تاركًا الحديث والسمر مع الآخرين، وما حادثة كورونا ليست بعيدة عنّا، حيث جلس الناس بعدين عن بعضهم قرابة ثمانية أشهر لا يلتقون فيها، مما سببت تباعد اجتماعي رهيب لا أعاده الله إلينا..
وهناك مقولة متعارف عليها بعلم الاجتماع في مقدمة ابن خلدون مفادها أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ولا يستطيع أن يعيش بمفرده أو في جزيرة منعزلة أو دون تواصل وتفاعل مع غيره من البشر مهما توفرت له سبل الراحة و الرفاهية، وهذا يعني أن الإنسان فطر على أن يعيش وسط الناس لا بعيدًا عنهم، ويقيم بينه وبينهم علاقات اجتماعية وحوارات تدفع بحياته نحو مستقبل مختلف.
ومما زاد تأكيد كلامي أنني قبل أيام كنت جليس رجل للتو خرج من السجن بعد أن اقضى حكم قضائي، ولفتني كلمته “أن أقصى أنواع العقوبات هي السجن الانفرادي”! حينها تذكرت قصة تخلف الصحابي الجليل كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم، حيث تمت معاقبتهم من النبي صلى الله عليه وسلم بعد تخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر، حيث أمر الصحابة الكرام بهجرهم ومقاطعتهم، وكانت هذه أشد عقوبة عليهم حتى أن أنزل الله قرآنًا في وصفهم حيث قال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ)، وضاقت عليهم أنفسهم بسبب عزلتهم عن أحبابهم واهاليهم، لأن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يميل لمخالطة الآخرين، وما سمي الإنسان إنسانًا إلا لأنه يأنس بغيره من البشر، فلذلك يميل كل منّا إلى رفيق وصاحب لتستريح له نفسه ويركن له قلبه.
من هنا يجب عليك أيها الإنسان أن تفهم أنك بحاجة إلى غيرك لتستقيم وتهدأ حياتك وتنضج خبراتك، باختصار أنت بشر وروح، وكائن اجتماعي بالطبع وقوي بالإخوة والماديات، والعكس غير صحيح، وكل ما سبق يشعرني بمشهد اجتماعي إيجابي عند تواصلك مع الآخرين؛ ولكن لماذا يختار البعض العزلة؟ لماذا تتولد الرغبة لديهم في التخلص من كل الأشخاص الذين يحيطون بهم؛ لماذا يعزفون عن مقابلة الناس أو التواصل والاتصال بهم؟.
صحيح أن أصل الانسان كائن اجتماعي بطبعه لكن البعض قد يرى أن يختلي بنفسه ويبتعد عن الناس ممن حوله ليس لأنه لا يريد أن يتحدث مع أحد إنما لأن محيطه يكون قد أرهقه ويشعر أنه لايفهم عليه ولايشعر به، فتأخذه فطرته السليمة لتخصيص الوقت لأقرب وأقدر من يعلم أنهما الأقدر على عونه على ملمات الحياة ومنغصاتها.
*ترويقة:*
أعجبني ما كتبه أحد علماء النفس:
“أن الحياة الاجتماعية تدفع إلى إحساس الإنسان بالقيمة الإنسانية الراسخة فيه، وأن له أهميةً، ويُفتَقدُ لدى غيره، وهذا الشعور إيجابي بالنسبة إليه، ويُحسسه بالسعادة والرضا الداخلي، وأن له هيبةً ووظيفة يَلعَبُها”..
ويقول أرسطو:
“إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه”، فهو إذًا يسعى لتكوين شبكة اجتماعية من العلاقات على مستويات متعددة تُشبه الشبكة أو الدائرة، وعلى الرغم من أن هؤلاء “المعارف” ليسوا أقرباء أو أصدقاء، إلا أنهم قد يمثلون جهات الاتصال بالفرص الجديدة، فيبنون لنا جسورًا ممتدة توصلنا إلى التنمية التي نسعى إليها.
*ومضة:*
قال الشاعر:
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم..
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*