قراءة و تحليل نص ” طوفان الاقصى ” للشاعر الجزائري جمال جلالي
بقلم: الدكتورة خوجة زينب _ جامعة باتنة
قصيدة “جمال جلالي” هي صرخة وجدانية تعبر عن واقع مأساوي عاشته غزة وما زالت تعيشه، في ظل تخاذل القيادات العربية والصمت الدولي تجاه معاناتها. النص يعكس وعيًا عميقًا بالقضية الفلسطينية ويبرز حالة الإحباط والأمل التي تكتنف قلوب العرب والمسلمين، مستخدمًا لغة شعرية ذات بعد ديني وإنساني
أولاً: المعاني والموضوعات
1. المعاناة الشخصية والوجدان العام (الأبيات 1-4):
يبدأ الشاعر بالتعبير عن إحساسه الشخصي بالمعاناة:
“لميــتك لوراق ريشة و دوايا”: يستدعي الشاعر أدوات الكتابة (الورق، الريشة) كوسيلة للتعبير عن الألم الداخلي. الكتابة هنا هي وسيلته للبوح عن القلق والحزن.
“هديتك يا عقل هايم وسط هواك”: العقل، كرمز للحكمة، يظهر عاجزًا أمام العاطفة.
“خبـــيتك يا حزن في دمع بكايا”: الحزن هنا ليس مجرد شعور، بل حالة متجذرة في كيانه تتجلى عبر الدموع، مما يعكس عمق الألم الذي يعيشه الشاعر.
“نتوسل لله ربي يتولاك”: الدعاء لله يعبر عن قمة الإيمان والرجاء، حيث يلجأ الشاعر إلى الله كملاذ أخير.
2. تصوير حال غزة ومعاناتها (الأبيات 5-8):
“ها غزة نبكيك وبكاو معايا”: الشاعر يُظهر تضامنًا وجدانيًا مع غزة، معبرًا عن الحزن الجماعي الذي يشعر به العرب والمسلمون.
“ما ضمّدش الدمع جرحك ما دواك”: يُبرز الشاعر عمق معاناة غزة، حيث لا يمكن للدموع أن تداوي الجراح.
“ذا حال العربان ماعادش لهواك”: حالة من الاستياء والإحباط تجاه اللامبالاة العربية تجاه القضية الفلسطينية.
3. نقد القيادات العربية والخذلان السياسي (الأبيات 9-12):
“والمخزن مخزون في طرف عبايا”: تصوير ساخر للحكام العرب الذين يحتفظون بخيراتهم ومقدراتهم لأنفسهم دون دعم غزة.
“الأمير أندار سباط لشيراك”: يُبرز خضوع القادة العرب للغرب وتجاهلهم لمآسي الأمة.
“لا عروبة لا عرب ڨاع اغمايا”: إعلان عن موت القيم العربية، حيث يشير إلى غياب العروبة والنخوة والكرامة.
4. استحضار الرموز الدينية والتاريخية (الأبيات 13-18):
“بن صهيون هداوهم فيك شفايا”: الشاعر يستنكر استغلال الاحتلال للصمت العربي لتحقيق مآربه.
“حجارة سجيل يا أقصى جيناك”: يشير إلى سورة الفيل وحجارة السجيل كرمز للعدالة الإلهية، مما يعكس إيمانه بأن النصر بيد الله.
“يا مسرى طه ومهد الأنبياء”: استحضار المكانة الدينية للقدس باعتبارها مهد الأنبياء ومعراج النبي محمد، مما يعزز قدسية القضية.
5. الرجاء والأمل في النصر الإلهي (الأبيات 19-20):
“يا أقصى منصور نصرك مولايا”: ينهي الشاعر القصيدة بروح تفاؤلية مستمدة من الإيمان بالله، مع تأكيده أن النصر محتوم بفضل الله.
“ورجايا ف الله يكتبلي ملقاك”: يتمنى أن يشهد تحرير الأقصى، مما يُظهر انتماءه الصادق للأرض والقضية.
ثانيًا: البنية الفنية
1. الأسلوب
الشاعر يستخدم أسلوبًا خطابيًا، يخاطب من خلاله العقل، القلب، الحكام، والأمة.
النص يتراوح بين التعبير عن الحزن، الغضب، والأمل، مما يعكس تعدد الانفعالات الإنسانية.
2. الصور البيانية
“دمع بكايا”: استعارة تجسد الحزن المتراكم كأنه يُختبئ في الدموع.
“المخزن مخزون في طرف عبايا”: كناية عن الجشع والخوف من التغيير.
“حجارة سجيل”: استعارة قرآنية تعبر عن انتقام إلهي قادم.
3. التكرار
“غزة”: تكرارها يضعها في قلب النص باعتبارها الرمز المركزي.
“يا”: حرف النداء يتكرر كثيرًا، مما يعكس نبرة مناجاة ودعاء مستمر.
4. القافية والوزن
القافية الموحدة تضفي انسجامًا موسيقيًا للنص.
الوزن المنتظم يجعل النص قريبًا من الأذن ويمنح القارئ شعورًا بالتوازن.
ثالثًا: الرسائل الأساسية
1. إدانة التخاذل العربي: النص يوجه انتقادًا لاذعًا للحكام والشعوب العربية لتقاعسهم عن دعم القضية الفلسطينية.
2. تمجيد الصمود الفلسطيني: يُبرز شجاعة أهل غزة رغم الحصار والخذلان.
3. الأمل في النصر: الشاعر يؤكد أن النصر مرتبط بالعودة إلى الله والتمسك بالهوية الدينية والقيم الإنسانية.
رابعًا: البعد الإنساني والديني
القصيدة تجمع بين الأبعاد الثلاثة: السياسي (نقد التخاذل)، الديني (الرموز الدينية والأمل بالله)، والإنساني (الحزن على معاناة الشعب الفلسطيني).
استحضار الرموز الدينية يمنح القضية بُعدًا مقدسًا ويؤكد ارتباطها بوجدان الأمة الإسلامية.
خامسًا: تقييم القصيدة
اللغة: فصيحة ورصينة، معبرة عن الحزن والرجاء.
الموضوع: واقعي وإنساني يعكس معاناة مستمرة.
الجمالية: تمتاز القصيدة بجمال الصور البيانية وقوة المعاني، مما يجعلها نصًا مؤثرًا.
قصيدة “جمال جلالي” تعبير صادق عن ألم الأمة وحنينها إلى زمن القوة والوحدة. الشاعر يُظهر وعيًا سياسيًا وروحيًا عميقًا، مما يجعل النص وثيقة شعرية تنبض بروح المقاومة والدعوة للنهوض من غفلة الخذلان.
النص :
لميتك لوراق ريشة و دوايا
و هديتك يا عَقْلْ هايم وسط هواك
خبـــيتك يا حزن في دمع بكايا
حسيتك يا قلب تاعب يا مڨواك
هزيــتك يا عين شوفي لسمايا
نتوســل لله ربـــي يتولاك
دونتك يا حرف وكتبت واصايا
تاخير الزمان ذالوقت لحقناك
ها غزة نبكيك و بكاو معايا
ما ضمّدش الدمع جرحك ما دواك
ها غزة لشكون راكي شكّايا
ذا حال العربان ماعادش لِهواك
هروالة باعوك نكروك جفايا
ويـن الملاييـن لا هـذا لا ذاك
صم و بكم لڨيتهم صد لغايا
لا من طاحت دمعتو غزة وبكاك
و المخزن مخزون في طرف عبايا
و الأمير أندار سباط لـشيـراك
و كذا من سلطان ماصان ارجايا
كي ناديته ڨال من قيدي بالاك
راسو داره كي اسمع في حلفايا
مثل نعامة ڨال سمحي ما شفناك
لا عروبة لا عرب ڨاع اغمايا
لا نخوة لا نيف يا غزة مقواك
بن صهيون هداوهم فيك شفايا
باعونا ابأثمان بخسة ما تسواك
هـا غـزة طوفـان رجـع لمنايا
فرحتنا بنهـار كنـا نستناك
طيـرن أبابيـل نزلــت سربايا
حجارت سِجِّيل يا أقصى جيناك
شِيّاب و شبان هِرِّم وصبايا
اثكالا و شيوخ بالروح فديناك
يــا مســرا طــه و مهد الانبيا
يا ارض المعراج شُهادا موتاك
يا أقصى منصور نصرك مولايا
سبحانـو هــو القــادر طول معاك
يا لمجد رسولنا فيك رجايا
و رجايا ف الله يكتبلي ملقاك
ألف سْلام عليك يا سيد رقية
صلْ الله عليك دايم ما ننساك