رهان الخذلان

" وجه الحقيقة "

✍️ إبراهيم شقلاوي :

مع تقدم الجيش السوداني في مختلف المحاور العسكرية، تزايدت التحركات الإقليمية والدولية بشكل ملحوظ بهدف وقف الحرب في السودان ، والسيطرة على العملية السياسية التي ستحدد ملامح “اليوم التالي” للحرب . شهدت الأسابيع الماضية سباقًا محمومًا بين القوى الإقليمية والدولية لمحاولة التأثير في مسار الأحداث ، وهو ما يعكس أن الوضع على الأرض بدأ يميل لصالح الجيش السوداني ، بينما بدأت المليشيات تفقد الدعم الدولي والإقليمي .

في ظل هذه الانتصارات المتواصلة للجيش السوداني ، بدأت القوى الإقليمية والدولية وحتي المحلية التي كانت تدعم المليشيا في إعادة حساباتها لذلك تجري محاولات في نيروبي لتشكيل حكومة تحت لافتة سحب الشرعية بينما الأمر لإمتلاك ورقة رابحة يمكن أن تستخدمها بعض الأطراف لتقوية مواقفها . خلال اجتماع مجلس الأمن الذي عقد الخميس الماضي ، حيث بدأ أن المجتمع الدولي بات يلتفت إلى ضرورة دعم السودان في تشكيل مرحلة جديدة بعيدًا عن المليشيات التي كانت تحظى بدعم غير معلن من بعض الدول .

السفير السوداني في الأمم المتحدة الحارث إدريس ، أكد أمام المجلس أن السودان سيخضع لعملية سياسية شاملة بعد توقف الحرب ، وأن المليشيا لا مكان لها في مستقبل البلاد . الحارث شدد أيضًا على ضرورة محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وخاصة الجرائم التي ارتكبتها المليشيا المدعومة بالمرتزقة الأجانب . هذا الاجتماع كشف عن تحول مهم في المواقف الدولية . فقد أبدت بعض الدول الكبرى مثل روسيا كما العادة دعماً صريحاً للجيش السوداني وللمجلس السيادي السوداني ، باعتباره الجهة الشرعية في البلاد . روسيا التي كانت متهمة في وقت سابق بالتوازن في دعم الأطراف المتنازعة بعد استخدامها” للفيتو ” مؤخرا لصالح السودان أكدت موقفها المناهض لأي تدخلات خارجية أحادية تهدف إلى تقويض سيادة السودان .

في المقابل أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي ترأس جلسة المجلس عن دعم بلاده للجهود الإنسانية في السودان، مع فرض مزيد من الضغوط على الدول التي تستمر في دعم المليشيا واستخدم عبارات مبطنة وصفها المراقبين بأنها كانت تعني دولة الإمارات الداعم الأول للمليشيا بحسب الحكومة السودانية . حيث وجه رسالة حادة إلى الدول التي تقدم الدعم العسكري للأطراف المتحاربة في السودان أو تستفيد من الصراع قائلاً “يكفي هذا”. و قال أمام مجلس الأمن “استخدموا مواردكم لتخفيف معاناة السودانيين وليس تعميقها. استخدموا نفوذكم لإنهاء الحرب وليس إدامتها. لا تكتفوا بالزعم بأنكم مهتمون بمستقبل السودان بل أثبتوا ذلك”. كذلك على المستوى الإقليمي كانت الجهود الإفريقية حاضرة بشكل ملحوظ .

حيث شهدت نواكشوط في موريتانيا اجتماعات تشاورية رفيعة المستوى تم خلالها مناقشة تطورات الوضع في السودان بما في ذلك الحلول الممكنة على الصعيدين الإنساني والسياسي. وكان إجتماع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رمطان العمامرة الثلاثاء مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الذي ترأس الاتحاد الإفريقي لهذه الدورة لبحث سبل تعزيز التعاون في إيجاد حلولا للأزمة السودانية حيث تم الاتفاق على أهمية التنسيق الإقليمي والدولي لإيجاد حل دائم . علاوة على ذلك من المنتظر أن يصل العمامرة إلى بورتسودان اليوم السبت في زيارة تهدف إلى استكمال المشاورات حول الوضع في السودان .

هذه التحركات تعكس اهتمامًا متزايدًا من قبل الاتحاد الإفريقي والهيئات الإقليمية الأخرى في إشراك الأطراف السودانية في حوار شامل يفضي إلى إنهاء الحرب بشكل نهائي . في نفس السياق كانت هناك تحركات على صعيد التعاون بين الدول المجاورة للسودان . حيث إلتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة الدول الثماني النامية حيث تم التأكيد على ضرورة تعزيز التنسيق بين البلدين في مواجهة الأزمة السودانية. وأضاف الرئيسان بحسب اعلام مصري ضرورة حماية سيادة السودان وسلامة أراضيه ، وإدانتهما للانتهاكات التي تمارسها المليشيا في مناطق مختلفة من البلاد .

هذا بالنظر إلى أن تركيا كانت قد قدمت مبادرة منتصف الاسبوع الماضي تقوم علي فكرة الاجتماع بين السودان والإمارات لمناقشة وقف دعم المليشيا ومدها بالسلاح والمقاتلين . بالإضافة إلى هذه التحركات السياسية والدبلوماسية تركزت الجهود الدولية أيضا في تقديم المساعدات الإنسانية. فقد أعلنت الولايات المتحدة تخصيص 200 مليون دولار إضافية لدعم المساعدات الإنسانية في السودان ، مما رفع إجمالي المساعدات الأميركية إلى 2.3 مليار دولار . واشنطن أكدت أنها ستواصل استخدام كل وسائل الضغط الممكنة على الأطراف المتحاربة ، بما في ذلك فرض المزيد من العقوبات ، لوقف الانتهاكات ومعاقبة مرتكبيها. حيث قالت النائبة الامريكية سارة جاكوب بحسب موقع” اخبار السودان “أن دولة الإمارات العربية أبلغت حكومة الرئيس الامريكي جو بايدن أنها ستتوقف عن دعمها لمليشيا الدعم السريع” . يذكر أن سارة جاكوب كانت من ضمن النواب الذين طالبوا بايدن بضرورة الضغط على الامارات لتتوقف عن دعمها للمليشيا .

من جانب آخر شهدت جلسة مجلس الأمن الخميس إدانة غير مسبوقة من قبل ممثل فرنسا لهجمات المليشيا في شمال دارفور والجزيرة والخرطوم وهي المرة الأولى التي تدين فيها فرنسا انتهاكات الدعم السريع . هذه الإدانة تبرز تحولًا كبيرًا في الموقف الفرنسي والمواقف الدولية تجاه المليشيا وتؤكد تراجع الدعم الدولي لها . تزامنًا مع التطورات السياسية والإنسانية خلال الجلسة ألقى سلطان دار مساليت سعد بحر الدين الضوء بالأدلة على المجازر التي ارتكبت بحق قبيلته من قبل المليشيا . مذكرًا بمجزرة حرق الناس أحياءً وتمثيلهم بالجثث .

عليه وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة و بناءً على التحركات الدولية والإقليمية ، يبدو أن السودان يدخل مرحلة جديدة من الضغوط المحتملة في محاولة لرسم ملامح اليوم التالي من الحرب، حيث تزداد فرص إتمام عملية السلام في السودان التي تتطلب اليقظة والحذر من جانب الجيش والحكومة السودانية والاحزاب الوطنية حتي لا تفرض حلولا تعيد إحياء الأطماع الدولية و الاستعمارية من جديد. لذلك تبقي أهمية النأي بالبلاد عن الأجندات الاستعمارية مع أهمية تنفيذ القرارات المتعلقة بالعدالة القانونية والمساعدات الإنسانية ، وإعادة بناء السودان بعد سنوات من رهان الخذلان .
دمتم بخير وعافية .
السبت 21 ديسمبر 2024 م. [email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى