حوار مع الدكتور الجزائري حسان ساردو

حوارات ثقافية

• حاوره: سمير تلايلف


• الدكتور الجزائري حسان ساردو أهلا بك معنا من خلال هذا الحوار، لو تُعرِّف الجمهور عنك، ماذا تقول عن حسان؟


حسان ساردو: أشكرك جزيل الشكر الأستاذ سمير على هذه الاستضافة الكريمة، وعلى إتاحة هاته الفرصة لي للتواصل مع جمهوركم المميز.
بخصوص التعريف بنفسي، حسان ساردو ابن ولاية تيسمسيلت وتحديدًا من بلدية برج بونعامة المعروفة بجمال طبيعتها وجبال الونشريس الخلابة، تخصصت في علم النفس المدرسي، خريج جامعة وهران 2 محمد بن أحمد سنة 2021 بدرجة دكتوراه، أعمل حاليًا كمستشار رئيسي للتوجيه والإرشاد المدرسي بثانوية العقيد لطفي في برج بونعامة، كما أنني باحث في الشأن التربوي، ومؤلف لكتابين خلال سنة 2024، وناشر لعدة مقالات في مجلات علمية وطنية. إضافة إلى ذلك شاركت في العديد من الملتقيات الوطنية والدولية.


• أنت ابن مدينة تيسمسيلت، لو طلبت منك أن تكون ناطقًا رسميًا باسم الولاية وتحدثنا عن المشهد الثقافي بها، ماذا تخبرنا عن تيسمسيلت ثقافيًا؟


حسان ساردو: تحمل ولاية تيسمسيلت الواقعة في قلب الجزائر إرثًا ثقافيًا غنيًا ومتجذرًا في عمق التاريخ على الرغم من كونها من بين الولايات الصغيرة نسبياً، تتميز هذه المنطقة بمزيج فريد بين الطابع الأمازيغي والعربي، وهو ما يظهر جليًا في عادات أهلها وتقاليدهم وفنونهم. فالمشهد الثقافي في تيسمسيلت يتنوع بين التراث الشعبي كالأغاني التقليدية التي تتغنى بالثورة والشعر الملحون، أما
الصناعات التقليدية فتشتهر تيسمسيلت بصناعة الزرابي والسجاد اليدوي، وهي من الحرف التي تحمل في طياتها رمزية ثقافية وتاريخية للمنطقة، كما تعتبر تيسمسيلت مسقط رأس العديد من الشعراء والكتاب الذين ساهموا في إثراء الأدب الجزائري، خاصة الشعر الملحون الذي يُعبّر عن هموم الناس وتطلعاتهم، كما تنظم الولاية سنويا العديد من المهرجانات والإحتفالات الوطنية التي تجمع الكثير من الفنانين، على غرار المهرجان الوطني للشعر الملحون الذي نظم خلال شهر نوفمبر المنصرم بعاصمة الولاية، وأيام الكوميديا الساخرة ببرج بونعامة الذي سيكون خلال الأيام القليلة القادمة، كلها تترجم وتعكس الثقافة والإرث التيسمسيلتي المتوارث عبر الأجيال. كما شهدت تيسمسيلت في العقود الأخيرة نهضة ثقافية أيضا في مجال الكتابة و التأليف، حيث برز العديد من المؤلفين الشباب في مجالات مختلفة كالرواية والتاريخ … والتي تستضيفهم الإذاعة الوطنية والمكتبات المحلية والمراكز الثقافية من خلال برامج متنوعة.
أخي سمير أدعوك لزيارة تيسمسيلت فهي تستحق أن تكون وجهتك في القريب العاجل، حيث ستحظى بمزيج من الطبيعة الساحرة والضيافة الثقافية الأصيلة.



• في رصيدك الأدبي والكتابي عملين في الشأن التربوي، حدثنا عنهما أكثر.


حسان ساردو: فعلاً صدر لي مؤخرا عملان في مجال التربوي، وقد كانا حاضرين خلال المعرض الدولي للكتاب سيلا 2024.
الكتاب الأول بعنوان «العنف في الوسط المدرسي»، وقد صدر عن دار ألفا للنشر والتوزيع بقسنطينة، وهذا المؤلف موجه بشكل أساسي للباحثين والعاملين في المجال التربوي، بالإضافة إلى طلبة الماستر في علم النفس المدرسي، خاصةً أن هناك مقياساً يُدرّس بعنوان العنف المدرسي خلال سنة أولى وقد قمت بتدريسه سابقاً بجامعة معسكر، يتناول الكتاب ظاهرة العنف المدرسي من جوانب متعددة، حيث يحتوي على مجموعة من الإستراتيجيات العلاجية والوقائية للتعامل مع هذه الظاهرة، كما يتضمن دراسة ميدانية أجريتها في ولاية وهران حول مدى انتشار العنف وأشكاله في الوسط المدرسي.
الكتاب الثاني يتعلق بـالتحضير النفسي والتربوي للتلاميذ المقبلين على مختلف الامتحانات الفصلية والرسمية صدر عن دار تحفة للنشر والتوزيع بباتنة، ويركز هذا العمل على المشاكل النفسية والعوائق التربوية التي تواجه التلاميذ أثناء الإمتحانات مثل القلق والنسيان والصعوبات المرتبطة بالمواد الدراسية المختلفة، ويقدم الكتاب مجموعة من التقنيات الفعالة التي تساعد التلاميذ على التحضير الجيد للإمتحانات والتغلب على التوتر، مما يساهم في تحسين أدائهم الأكاديمي وتحقيق النجاح لديهم.


• تطرقت في العملين إلى موضوعين هامين وهما’ العنف المدرسي، و التحضير النفسي للتلاميذ، بحكم تجربتك ودراستك، كيف يمكننا الحد من ظاهرة العنف المدرسي، وهل يمكن أن نقول أن هذا العنف أثر سلبًا على نفسية التلميذ وجعلت نتائجه متذبذبة؟



حسان ساردو: يعد العنف في الوسط المدرسي ظاهرة مقلقة تهدد بيئة التعلم الآمنة، ومن دون شك يترك أثرًا سلبيًا على نفسية التلميذ وأدائه الدراسي. إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب تدخلًا متعدد الجوانب يشمل الأسرة، المدرسة، والمجتمع. ومن المعلوم أيضا أن العنف في الوقت الحالي أخذ أبعادا متعددة وأشكالا عديدة مثل العنف الإلكتروني الذي لم يكن موجودا في السابق، أما عن كيفية الحد من هذه الظاهرة فهناك مجموعة إجراءات لابد من اتخاذها للتقليل من انتشار الظاهرة وخطرها، وذلك من خلال أولا تعزيز التوعية والتربية على القيم الدينية ونشر ثقافة الحوار والإحترام المتبادل داخل المدارس، تدريب المعلمين على كيفية إدارة النزاعات وأساليب حل المشكلات وتقنيات احتوائها دون اللجوء للعنف اللفظي أو الجسدي، أيضا يجب تعزيز علاقة المعلم بالتلميذ لجعلها مبنية على الثقة والتفاهم والإحترام، وتعزيز التعاون بين الأسرة والمدرسة من خلال تشجيع الأسر على متابعة سلوكيات أطفالهم ومناقشة أي مشكلات تظهر عليهم، فالإشكال الواقع حاليا لدى العديد من الأسر هو استقالة الأولياء من متابعة الأبناء، فتجدهم لا يسألون عن أبنائهم على طول السنة ويتفاجأ حين يتم استدعاؤهم لمشكل وقع فيه ابنهم. يمكن أيضا وضع أنظمة صارمة وواضحة تعاقب السلوكيات العنيفة من خلال قوانين ردعية تمس السلوكات العنيفة، وبالمقابل يتوجب تحسين الظروف المدرسية لجعل المدرسة بيئة مشجعة على التعلم والنمو الشخصي، وتوفير الدعم النفسي والإجتماعي للتلاميذ من خلال توفير أخصائيين نفسيين في المدارس وخاصة الابتدائية لرصد الحالات السلبية وتقديم الدعم اللازم في حينه، من بين الحلول أيضا تشجيع التلاميذ على التعبير عن مشاعرهم ومشاكلهم من خلال النشاطات الثقافية والرياضية التي تساهم إلى حد كبير في امتصاص الطاقة السلبية وتحفز على النشاط والتعاون والتسامح.

ومن خلال ما سبق يتبين أن الحد من ظاهرة العنف في الوسط المدرسي هي مسؤولية جماعية، ويجب أن يُنظر إليها كأولوية لضمان بيئة تعليمية صحية ومثمرة تُمكّن التلاميذ من تحقيق طموحاتهم.


• ألا تعتقد معي أن بعض التلاميذ المتأخرين في الدراسة بحاجة إلى رعاية نفسية خاصة أكثر مما هم بحاجة إلى دروس تدعيمية، وهذا بسبب ضغوطات العائلة وخوفها الشديد على مستقبل أبنائها الدراسية؟


حسان ساردو: بكل تأكيد، أتفق معك تمامًا. الكثير من التلاميذ المتأخرين دراسيًا يعانون من مشكلات نفسية أكبر من مشكلاتهم الأكاديمية، وهذه المشكلات غالبًا ما تكون نتيجة لضغوط عائلية مفرطة أو مخاوف مبالغ فيها بشأن مستقبلهم التعليمي. فعندما يشعر الطفل بالخوف من خيبة أمل أسرته أو يتعرض لضغط لتحقيق توقعات غير واقعية أو تفوق قدراته الشخصية، كما أن أسلوب المقارنة السلبية التي يستعملها الكثير من الأولياء في الأسر الجزائرية بين أبناء الأسرة الواحدة أو بين أبناء الجيران وابنهم الذي لم يحقق نتائج المرجوة تؤدي به إلى فقدان الرغبة بالدراسة والشعور بالنقص والفشل، كل ذلك يؤثر على ثقته بنفسه وقدرته على التركيز والتعلم. فالرعاية النفسية في مثل هذه الحالات ضرورية جدًا لأنها تساعد الطفل على تجاوز مشاعره السلبية وتمنحه الأدوات اللازمة للتعامل مع الضغط، والدعم النفسي في مثل هاته الحالات يمكن أن يشمل على جلسات استماع وإرشاد لفهم جذور المشكلة وإعطاء الطفل مساحة للتعبير عن مشاعره، وبناء الثقة بالنفس من خلال التركيز على نقاط القوة وتعزيز الشعور بالإنجاز. كما يجب إشراك الأسرة أيضا لتوعيتها بأهمية تخفيف الضغوط وتحسين أسلوب التواصل مع الطفل
في كثير من الأحيان، تحسين الصحة النفسية للطفل يؤدي تلقائيًا إلى تحسن أدائه الدراسي، لأنه يصبح أكثر هدوءًا واستعدادًا للتعلم.
أما بخصوص الدروس التدعيمية فقد أشرت مرارا وتكرارا أنها دروس مكملة لما يأخذه التلميذ في المؤسسة التربوية، والدليل أن العديد من التلاميذ يحققون النجاح دون اللجوء إليها، وبالمقابل هناك تلاميذ يتهافتون على أغلب المواد دون تحقيق نتائج عالية.


• ماذا بعد العملين المنشورين، هل تنوي مواصلة إصدار الكتب، وماهي المواضيع التي يمكن أن تحتويها أعمالك المطبوعة المقبلة؟ حدثنا عن مشاريعك.


حسان ساردو: في حقيقة الأمر التخصص مهم جدا في حياة الإنسان، وهي نصيحة أخذتها من أستاذ في الجامعة، لأن العصر الحالي هو عصر التخصص وفي أدق المواضيع، فلا اخفي عليك سرا أن المشكلات النفسية التربوية اليوم لكثرتها وتشعبها وتعدد أشكالها أصبحت تحتاج منا القيام بالعديد من الوقفات والدراسات والأبحاث من أجل إيجاد حلول لها، الأمر الذي دفعني إلى التوجه لتقديم مجموعة من المشاريع التربوية التي تهدف بالأساس إلى حل المشاكل وتجاوز الصعوبات التي تواجه التلاميذ وتؤرق أولياءهم وحتى مدرسيهم، وسأقترح بعضها خلال الأيام القليلة المقبلة بحول الله على وزارة التربية الوطنية، عسى أن تجد أذانا صاغية وتشجيعا على تحقيقها، و هي دعوة من خلال منبركم المتميز إلى فتح ورشات وشراكات مع مختلف الفاعلين والمهتمين بالمجال التربوي، وذلك من أجل الرقي بالمدرسة الجزائرية وتطوير المنظومة التربوية، لأن أساس ومحور العملية التربوية هو التلميذ، فما الفائدة من توفير الوسائل والمنشآت المختلفة والضخمة وإهمال العنصر الرئيسي الذي انشأت لأجله.
أما بخصوص التأليف الكتب فإني أرى أن التهافت اليوم للقراء في المجتمع الجزائري على الروايات والقصص الرومانسية والخيالية بصفة عامة كان على حساب المؤلفات التربوية والتعليمية وحتى الدينية، ومن هذا القبيل سأقلل من إصدار الكتب وأكتفي بتقديم نصائح وإرشادات وبرامج إرشادية على مستوى مختلف المنابر المسموعة والمكتوبة لعلي استطيع المساهمة ولو بالقليل في إيصال بعض المعلومات المهمة في المجال التربوي للمهتمين لأنها أكثر رواجا في العصر الحالي من المؤلفات الورقية.


• كلمة أخيرة.


حسان ساردو: شكرا لكم أخي الفاضل على الإستضافة وعلى الحوار الشيق وطرحكم المتميز للمواضيع واهتمامكم أيضا بالمؤلفات التربوية والفكرية متمنيا لكم المزيد من التألق ومتمنيا أن يجمعني الله بكم في لقاءات أخرى ومواضيع أخرى ومؤلفات أخرى بحول الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى