يومًا ما كنت مسافرًا من إسطنبول إلى القاهرة، فجلس بجانبي على مقعد الطائرة شخص من دولة إفريقية، وعندما سلم علي بابتسامته العريضة مهللًا ومرحبًا بي، دخل إلى قلبي مباشرة، بسبب هذا الابتسامة حصل تعارف بيننا في هذه الرحلة، ثم وقعت بيننا ألفة ومحبة ومازالت مستمرة حتى يومنا هذا.. سبحان الله الذي جمعني به في هذه الرحلة دون سابق معرفة، وبدون ترتيب أو موعد مسبق، هو من دولة وأنا من دولة أخرى، والواننا مختلفة، لكن الله جمع أرواحنا فائتلفت وتألفت وتجاذبت حتى وجدت روحي منجذبة إليه كأنني عشت معه زمنًا طويلًا.
الأرواح جنود، مثلما الأبدان، تجد الإنسان يحب إنسانًا آخر بمجرد أن ينظر إليه يشعر أنه يعرفه من ذي قبل، وأنا أحب أكون كذلك في علاقاتي، أبحث عمن يشبهني، خصوصًا فيما يتعلق بخفَّةِ الروح والدم أمام من تألفه ويألفك، بهذا المنطق يعجبني قياس الشافعي في علاقاته مع الآخرين، إذ يقول رحمه الله في ذلك: ”أثقل أخواني على قلبي من يتكلف لي وأتكلف له، وأحبهم إليَّ من أكون معه كما أكون وحدي”.. نتيجة التعارف هو تحقيق للإخاء والمودة بين البشر، ليترابطوا فيما بينهم، ولو شاء الله لخلق البشر كما خلق الشجر، كل شجرة لها أصل تنبت فيه، لكن الله أراد بحكمته البالغة أن يوحد بين البشر، فجعلهم «من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً».
ترويقة: قال أحدهم لي: ما ارتحت لفلان فلما سألته: ما السبب؟ قال: لا أعلم، هذا هو المعنى الحقيقي: “بأن الأرواح جنود مُجنَّده.. وهناك طاقة بين البشر أؤمن بها لطالما أنك تشعر بود وحب لشخص تأكد أنه يبادلك نفس الشعور ونفس المحبة والمودة، وإن احسست بنفور أو كره لشخص ما، فهو كذلك يبادلك نفس الشعور.. واعجبتني عبارة: ”إنْ كان في صُدَفِ الأزمانِ رائعةٌ فإنّك خيرُ ما جادتْ به الصُّدَفُ”.
ومضة: قال رسول الله صلى الله وسلم: (النَّاسُ مَعادِنُ كَمَعادِنِ الفِضَّةِ والذَّهَبِ، خِيارُهُمْ في الجاهِليَّةِ خِيارُهُمْ في الإسْلامِ إذا فَقُهُوا، والأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَما تَعارَفَ مِنْها ائْتَلَفَ، وما تَناكَرَ مِنْها اخْتَلَفَ).