رسائل البرهان الساخنة لم ينج منها أحد ؟

" وجه الحقيقه "

✍🏻 إبراهيم شقلاوي :

في خضم الصراع العسكري العنيف الذي يشهده السودان بين الجيش السوداني و مليشيا الدعم السريع منذ أكثر من 19 شهرًا ، جاء خطاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني في المؤتمر الاقتصادي الأول بمدينة بورتسودان ليحمل رسائل عديدة لم ينج منها أحد أرسلت في بريد الجميع . برغم ظهوره في البزة العسكرية ، فقد كانت نبرة البرهان في خطابه هادئة تشير إلى الثقة والاطمئنان ، ما يعكس موقفًا حازمًا وواضحًا في التعامل مع الأزمة السودانية .

هذا الخطاب الذي تزامن مع تطورات دبلوماسية إيجابية ابرزها زيارة المبعوث الأمريكي توم بيريلو للسودان والتي استطاعت الحكومة السودانية أن تغير فيها انطباع الرجل والصورة الذهنية السالبة التي تعمد البعض رسمها في مخيلة الرجل ، بجانب استخدام روسيا للفيتو ضد مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن. حمل خطاب البرهان في طياته مجموعة من الرسائل الداخلية والخارجية تعمد ارسالها في هذا التوقيت المهم ، كان أبرزها الموقف من مليشيا الدعم السريع وداعميها ، والدول التي وقفت في المنطقة الرمادية كما سماها تجاه قضية الحرب في السودان بحانب حزب المؤتمر الوطني والتوجهات المستقبلية للسودان .

في جانب الرسائل السياسية الداخلية : أكد البرهان في خطابه بشكل قاطع أن الحرب ضد مليشيا الدعم السريع “تشارف على النهاية” وأنه لا مجال للتفاوض أو للهدنة مع “أعداء الشعب السوداني” وأن المليشيا ومن دعمها أو وقف معها عليه أن يظل معها ، هذه التصريحات تعكس عزم الجيش السوداني على الحسم العسكري الكامل ، يظهر ذلك في تصميم القيادة على القضاء على التمرد العسكري أو اخضاعه للاستسلام .هذا يعني : “لا مكان في اليوم التالي من الحرب لمليشيا الدعم السريع وداعميها على المستوى السياسي أو العسكري”. وهذه الرسالة تعكس موقفًا حازمًا من البرهان تجاه الذين دعموا المليشيا قال : “لا يمكنهم المشاركة في المرحلة السياسية المقبلة”، في إشارة واضحة لتنسيقية القوى المدنية” تقدم” كذلك ربما أشار إلى الدول الداعمة للمليشيا بالحديث عن الدعم الخارجي للمتمردين لا يمكن أن يكون لهم مكان في المرحلة التالية من تاريخ السودان. وذلك ربما كشف خلاله البرهان جانب من وساطة محتملة حاول يقدمها بيريلو لصالح الامارات في آخر أيام تكليفه بملف السودان ، الذي ربما ينتقل الي شخص آخر ضمن إدارة الرئيس ترامب في يناير القادم . في جانب آخر تضمن خطاب البرهان حديثا واضحا عن موقفه من انعقاد شورى حزب المؤتمر الوطني . فبعد أن وجه انتقادات حادة للحزب بشأن محاولات بعض قياداته عقد اجتماعات سياسية وإعادة تشكيل نفسه ، قال البرهان “لن نقبل بأي عمل سياسي مناوئ لوحدة السودان” .

ومع ذلك فإن هذا الرفض لا يعني استبعاد الحزب تمامًا ، بل ربما يعكس محاولة للحفاظ على وحدة السودان في هذه اللحظة الحاسمة وانحياز لرأي شباب الحزب الذين أعلنوا أنهم غير معنيين بخلافات الوطني طالما الحرب لم تضع أوزارها ، وفي ذلك حسب مراقبين إشارة ذكية ضمن من خلالها النائي بوحدة جبهة القتال عن أي تداعيات محتملة لخلافات تيارات الاسلاميين كما شدد على ضرورة إبعاد الحزب عن الساحة السياسية في الوقت الراهن ، لكنه لم يغلق الباب بشكل كامل أمام دور محتمل له في المستقبل كما أنه لم يستخدم وصفه “بالمحلول”، في الواقع الحزب رغم ماضيه السياسي المثير للجدل، يظل يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة في السودان ، لا سيما بين الشباب الذين أظهروا استعدادًا للالتحاق بجبهات القتال ضد المتمردين .

وبالتالي قد يكون من الصعب إغفال دور الحزب في المستقبل ، خاصة إذا ما استمر شبابه في لعب دور فاعل في الدفاع عن البلاد . هذا التحول في دور الحزب الذي أصبح جزءً من جبهة الدفاع عن الوطن، قد يعكس تحولًا تدريجيًا نحو إعادة دمجه في العملية السياسية في مرحلة لاحقة ، بعدما يتم القضاء على التمرد وعودة الاستقرار . كذلك هناك جانب مهم أشار إليه حديث البرهان عن المقاتلين في الميدان ، أنهم “لا ينتمون لأي جهة أو حزب”. ذلك ربما يسلط الضوء على دور الشباب في هذه المعركة الوطنية . هؤلاء الشباب الذين انخرطوا في القتال ضد مليشيا الدعم السريع يمثلون كل ابناء السودان نهضوا للدفاع عن السيادة الوطنية، وهم في الواقع جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي للسودان .

في حديثه أيضا رفض البرهان التدخلات الخارجية : حيث كانت الرسائل التي وجهها إلى المجتمع الدولي واضحة وحاسمة. فقد انتقد بشدة مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن ، مؤكدًا أن السودان رفض هذا القرار “لأنه كان يخدش السيادة الوطنية” ولا يتضمن أي إدانة للمتمردين. وأشار البرهان إلى أن السودان لا يوافق على أي حلول تأتي من الخارج، معتبرًا أن مثل هذه الحلول قد فشلت في أماكن أخرى مثل دول الربيع العربي في إشارة إلى ليبيا .

هذا الموقف يشير إلى أن السودان لا يرغب في تدخلات خارجية قد تؤثر على استقلاله السياسي أو تقوض مساعي الجيش السوداني في السلام واستعادة الأمن . وهناك لا بد أن نشير إلى حديث بيريلو الذي قال أنه” قدم مقترحا للحل لقضية الحرب وان الرئيس البرهان وافق عليه” هذا يؤكد أن هذا الحل جاء وفقا لما يحفظ السيادة السودانية وقد ذهب بيريلو عند ختام زيارته إلى جيبوتي حيث رئيس الايقاد اسماعيل عمر قيلي من ما يعني ان الدور القادم في المشكل السوداني ربما تقوم به الايقاد . أو ربما تشكل فيه ركنا أساسيا بالنظر أيضا الي المجهودات التي يبذلها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان رمطان العمامرة .

علي الرغم من التأكيد على أن الأولوية في الوقت الراهن هي “القضاء على المتمردين” وتثبيت الأمن، فإن البرهان أشار إلى أن المرحلة التالية ستشهد خطوات نحو السلام والاستقرار السياسي. فقد أكد أن السودان لن يذهب إلى مفاوضات أو وقف إطلاق نار إلا بعد انسحاب المتمردين من المناطق التي احتلوها مشددًا على أن هذه هي الخطوة الأساسية قبل أي عملية سياسية . كما أضاف أن السودان سيعمل على استكمال الفترة الانتقالية عبر تشكيل حكومة مدنية من المستقلين، مشيرًا إلى أن السودانيين هم من سيقررون عبر “حوار سوداني – سوداني” لإدارة البلاد في المرحلة المقبلة .

عليه من واقع ما نراه من وجه الحقيقة فإن خطاب الرئيس البرهان حمل رسائل عديدة متوازنة تجمع بين الحسم العسكري والتمهيد لحوار سياسي داخلي في المستقبل القريب كما أكد بوضوح موقفه من الدعم السريع وداعميه ، بالإضافة إلى تأكيده على ضرورة استبعاد أي مشاركة سياسية للمليشيا وأتباعها ، ذلك يعكس عزمًا على تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد .
             دمتم بخير وعافية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى