الإسلام دين العدل

✍🏻 صالح الريمي :

إن العدل قيمة إنسانية أساسية جاء بها الإسلام وأقرها لتكون من المقومات الأساسية في الحياة الأسرية والاجتماعية والسياسية، وقد ورد في القرآن ما يدل على أن العدل بين الناس هدف الرسالات السماوية كافة، قال تعالى: (قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)..
ولهذا تجد الإنصاف عزيز، ويدل على رفعة صاحبه خاصة إذا ظهرت علي السطح بعض نقاط الاختلاف بينه وبين الطرف الآخر، فتجد كل طرف يعامل الآخر بغلو وظلم بعيدًا عن العدل والإنصاف، وكان الصحابة رضي الله عنهم يختلفون فيما بينهم في بعض المسائل ولا يدعوهم ذلك إلي ذهاب المودة أو الألفة أو إلي الغلو والمجافاة، قال ابن تيمية رحمه الله عن الصحابة الكرام: «اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية، مع بقاء الألفة بينهم».

من هذه المقدمة أنقل لكم قصة قرأتها في البداية والنهاية، وقد رواها ابن عساكر في تاريخ دمشق، قصة تعود إلى زمن الدولة الأموية في بلاد العراق عندما كانت تحت ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي، فقد قرر يومًا أن يُقبض على رجل، فلم يجده العسكر في داره فقبضوا على أخيه! فقال المقبوض عليه “أنا مظلوم”، فقال قائد العسكر: “بحثنا عن أخيك فلم نجده، فأخذناك”، قال المقبوض عليه: “حسنًا دعوني أكلم الأمير”، فلماء جاء الحجاج قال له: “أصلح الله الأمير، إن هؤلاء أرادوا أخي فلم يجدوه فأخذوني وهدموا داري، ومنعوا عطائي من بيت المال، فقال له الحجاج بن يوسف: هيهات، ألم تسمع قول الشاعر:
جَانيكَ من يجنى عليكَ ورُبَمَا
تُعدى الصِحَاحَ مَبَارِكُ الجُرْبِ
ولَرُبَ مَأخوذٍ بِذنبِ عَشيرةٍ
ونَجَا المُقَارِفُ صَاحِبُ الذَنبِ

فقال الرجل: أيها الأمير إني سمعت الله عزوجل يقول غير هذا الكلام، وقول الله أصدق من أي كلام، قال الحجاج وما قال الله تعالى؟، قرأ الرجل قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ﴾.. فأطرق الحجاج ساعة يفكر ثم قال لصاحب الشرطة: “فك قيد هذا الرجل، وابنِ له داره، ومُر له بعطاء، ومُر مناديًا ينادي: “صدق الله وكذب الشاعر وغفل الحجاج، وهذا يعتبر رجوع إلى الحق، وإلى الفضيلة، فكأنه يقول: لا أحد يُؤخذ بجرم أحد، وتُعد هذه الحادثة من حسنات الحجاج.

*ترويقة:*
علي الرغم من شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي وما قرأناه عنه من مواقف كثيرة متباينة ما بين الظلم الشديد والجور وما بين الحجاج المفترى عليه بقصص مكذوبة، لكن هذه الشخصية الغريبة التي جمعت بين مدح وذم المؤرخين لم يمنعه ذلك عندما ذكرت له آيات الله أن يقف موقف الإنصاف والعدل من الرجل الذي أخذ بجريرة أخيه، كما قال تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)؛ لأن القاعدة هي أن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يُرى، ولا يمكن أن يحمل ذنب غيره، لأن الإسلام دين العدل والإنصاف، قال سبحانه: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان).

*ومضة:*
العدل أهم ركيزة حضارية ذو أبعاد أخلاقية وإنسانية في البناء والتنمية وأعظم أساس تقام عليه الدول والنظم، ولهذا جاء الإسلام حاملًا لواءها ومقيمًا لمعالمها، كما قال تعالي: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى