(عندما كُنّا أحراراً)
✍️ أحلام أحمد بكري :
قارئ العنوان سيندهش من الفعل الناسخ (كُنّا) ؛ وسيثني بسؤال ، هل نحن الآن مقيدين سجناء أسرى..!؟
أقولها حرفياً وأعنيها عمقاً ومضموناً ، (نعم)، نحن الآن سجناء َ ومقيدين وأسرى ، للهواتف النقالة ..
فقد تم استبدال القيود الحديدية-الكلبشات- بقيود الأجهزة الذكيّة ، وفعليا ًذكيّة لأنها قضت على ذكاء مستخدمها وجعلته ُرهينة لها ..
حجمت العقول ، وأماتت الفكر وأوقفت عملية الإبداع ؛ أصبحنا متلقين فقط ، مفروضا ًعلينا ماتمليه هي من أنظمة ، وبرامج وتطبيقات وما تجلبه لنا من أخبار وتفاهات ..
.
كُنّا نحلّق في رحاب القرآن الكريم ونهدأ ، ونستمتع بقراءة كتاب ونسعد ، ونستمع لمذياع ونرقى ، ونتخيّر من تشكيلة القنوات الرسمية ما يحلوا لنا من طرح ونتثقف ، ونسامر الأهل ، وبضحكات الأصدقاء نأنس ، ونقضي الوقت مرحاً مع الأقران والزملاء ونمزح..
أما الآن الكل حاني الرأس والرقبة مقطوعاً عن العالم الخارجي ، والآخر رافعاً هاتفه ُمصوراً ؛ ضارباً بالذوق العام عرض الحائط ، والآخر واضعاً سماعة الأذن متحدثاً عن بعد ؛ وقد بعُد عن التواصل الحميم ، ودفئ المشاعر في اللقاء الفعلي..
وهناك من فرض على نفسه عالماً خاصاً افتراضياً مع ألعابهِ الإلكترونية تاركاً عالمهُ الخارجي ، والآخر يسرح ويمرح داخل برامج التواصل الاجتماعي ويردح بكل غثٍ وسمين ، وآخر يبث سمومه الطائفيّة وعصبيتهُ القبليّة وعنصريته المتطرّفة بين البشر ويتفنن..
والآخر يخطط في تشكيك العالم من حولهِ عن طريق إشاعاته المغرضة ، وهناك من يستعرض تفاهة عقله وفخامة مظهرهِ لجذب الرويبضة من حوله للصعود على أعناقهم الهشّة.. ومنهم من يرى في قيود الهواتف حريّة ، وتناسى قول ميخائيل نعيمة الكاتب اللبناني:
“ليس من المنطق في شيء أن تتباهى بالحريّة وأنت مُكبّل بقيود المنطق “..
وقول عمر فاخوري الناقد والمفكر اللبناني: “إن لذة الوجود هي في التحرر من القيود”..
.
إلى متى سنظل رهن الأسر ، مكبلين بقيود ، ارتضيناها عن طيب خاطر ، إلى متى..!؟
(لو ماتت أجسادنا أفقنا)..