الكاتب قويدر ميموني أهلا بك، بداية ألف مبروك تحصل روايتك «إل كامينو دي لامويرتي» على جائزة كتارا العربية، حدثنا عن حيثيات هذا التتويج، وكيف كان وقعه على نفسية قويدر الكاتب؟
قويدر ميموني: أهلاً وسهلاً صديقي سمير، شكرًا جزيلًا لكم على التهنئة الكريمة. الفوز بجائزة كتارا عن روايتي “إل كامينو دي لامويرتي” كان لحظة فارقة جداً في مسيرتي الأدبية، ويُمثل تتويجًا لجهود مضنية وتفانٍ وتجريب وتنقيب في الكتابة والسرد. كانت تجربة مليئة بالتحديات، إذ سعيت من خلالها إلى خلق عمل يتجاوز القص التقليدي ليغوص في عمق المشاعر الإنسانية ومعارضة العبثية بالعبثية نفسها والبحث في الثقافات المتداخلة.
أما عن وقع هذا التتويج على نفسيتي، فهو مزيج من الفخر والمسؤولية. شعرت بتقدير لجهودي الأدبية، ولكن هذا الاعتراف الدولي يحمّلني مسؤولية الاستمرار في تقديم أعمال ذات قيمة عليا وأصالة. كما أن الفوز حفّزني ودفعني إلى النظر نحو المستقبل بطموح أكبر، لأسهم بما أستطيع في إثراء الأدب العربي وتعزيز دوره على الساحة العالمية.
شوقتنا لمعرفة أحداث النص المتوّج، فلو تمنحنا شرف التعرف على الرواية وأحداثها ومعالمها، ماذا تخبرنا عن «إل كامينو دي لامويرتي»؟
قويدر ميموني: روايتي الفائزة هي عبارة عن ديستوبيا فلسفية تغوص في أغوار النفس البشرية بطريقة تجديدية.
في رواية “إل كامينو دي لا مويرتي”، تتجسد فلسفة العبث من خلال شخصية البطل، الذي يتبنى العبثية في أبعد صورها، لكنه ينحدر بها إلى مستوى الانحطاط والجريمة. على عكس تمرد ألبير كامو الملتزم بالجانب الأخلاقي، والذي يجمع بين العبث والقيم الإنسانية، يغرق البطل هنا في العدمية المطلقة، حيث يتحول انغماسه في الجريمة والفساد إلى رد نهائي قاسٍ على عبثية الحياة.
جريمة قتل البطل لأخيه التوأم، مثلًا، والذي يمثل النقيض الأخلاقي الكامل له، تأتي كذلك كرفض واضح لكل ما يرمز إليه عالم القيم الإنسانية، وكأنها تحدٍ لما تمثله النزاهة والشجاعة والخيرية. هذا الصراع العميق يجسد العنف الداخلي الذي يستعر في نفس البطل، حتى إنه يرفض أقرب الناس إليه، مما يُفكك كل الروابط والمعاني التي يُفترض أن تمنح الحياة بُعدها الإنساني.
النهاية، بانتحار البطل، تعبر عن موت رمزي ليس فقط له شخصيًا، ولكن أيضًا لفلسفة ألبير كامو. فكأن البطل يعلن، بموته، فشل هذه الفلسفة في منح حياته أي معنى، مما يعكس إدراكًا أن تمرد كامو ضد العبث لم يعد يكفي. إن انتحار البطل هنا يمثل انتهاء صلاحية العبثية كملاذ معنوي، وإعلانًا بأن الحياة المليئة بالعنف والفراغ لا تجد جوابًا في هذه الفلسفة، بل إن العبثية ذاتها تتلاشى أمام هذا القدر اللامتناهي من الظلام والانحطاط في العالم.
نبقى دائما في التتويج، ما مدى أهمية تتويج النصوص المتوجة في الترويج والتسويق لها؟
قويدر ميموني: بالتأكيد، لتتويج النصوص الأدبية أهمية كبيرة في الترويج والتسويق لها. فالجوائز الأدبية الكبرى مثل جائزة كتارا تسلط الضوء على الأعمال الفائزة، مما يزيد من انتشارها ويجذب القرّاء والنقاد والناشرين على حد سواء. تتويج النصوص يمنحها مصداقية إضافية، حيث يقرؤها الجمهور بنظرة مختلفة، ويشعرون بوجود قيمة خاصة تدفعهم لاكتشاف محتواها.
هذا النوع من الاعتراف يُعزز من مكانة الكاتب ويزيد من فرص انتشار أعماله على نطاق أوسع، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. كما يفتح أمامه فرصًا جديدة للتعاون في مجال الثقافة والإعلام والتبادل والاستشارة والتحكيم والمشاركة في فعاليات أدبية ومعارض، مما يسهم في تعزيز حضوره الأدبي والثقافي على الصعيد الدولي ويمهّد لنجاح أكبر في مسيرته الإبداعية.
منذ فترة تُوِّجَت رواية «هوارية» للدكتورة إنعام بيوض بجائزة آسيا جبار، جرت أحداث الرواية في وهران، وقيل أنها أساءت للمدينة، ونعلم جيدا أن وهران تسكنك وتسكنها، ما رأيك في مثل هذه الكتابات، وكيف يمكن أن نرى وهران بعيون إبنها البار قويدر ميموني؟
قويدر ميموني: وهران بالنسبة لي هي أكثر من مجرد مدينة، إنها جزء لا يتجزأ من كياني. إنها التاريخ العريق والمشاهد التي تملأ القلب بالحياة، وأصوات الشوارع التي تروي قصص الأجيال. وهران تجمع بين روح الماضي وتطلع المستقبل، وبين التنوع الثقافي والدفء الإنساني الذي يميزها.
عندما أكتب عن وهران، أحرص على إبراز جوهرها العميق وجمالها الباهر. هي ليست مجرد مكان، بل هي كيان ينبض بالحياة والإلهام، وملهمة لكتّابها وأبنائها. وهران هي التفاصيل التي تمنحها فرادتها، والأرواح التي تُشكّلها.
نعرج الآن لجديدك الأدبي وهو رواية الموسومة بـ «ما لا يخفيه الظلام» الصادر عن دار أدليس للنشر، فما الذي لا يخفيه الظلام في روايتك؟
قويدر ميموني: في رواية “ما لا يخفيه الظلام”، أسعى لكشف الطبقات العميقة المتوارية خلف حُجُب الزمن، والغوص في صراعات لم تُروَ كفايةً في الأدب، سواء عن الجزائر الاستعمارية أو الإنسان الذي يختبر معنى البطولة والخيانة بشكل يتجاوز التقاليد السردية. تتناول الرواية حكاية مجموعة من “لصوص الشرف” أو “باندة لعبان”، الذين تمردوا على الاستعمار الفرنسي، بالقطاع الوهراني ليظهروا كأبطال حقيقيين في مواجهة التشويه والظلم الذي ألحقه بهم المستعمر.
اتخذت الرواية أسلوبًا يتجاوز السرد التقليدي، حيث عمدت إلى نسج أسطورة تحلق بعيدًا عن القصص الكلاسيكية، لترسم ملامح التراجيديا التاريخية بأسلوب رمزي. شخصيات مثل “شيباني”، البطل المركب المشابه ليهوذا الإسخريوطي، و”آلفونس” المستعمر الماكر، إلى جانب قصة الحب العميقة بين لوط العربي وليزا الفرنسية، تتجسد لتمنح القارئ رؤية جديدة عن التمرد والحرية والعشق.
من خلال هذه الشخصيات، تعكس الرواية أبعادًا إنسانية شديدة التناقض والعمق، وتطرح تساؤلات حول الحب في زمن الخيانة، والانتقام كقوة تتجاوز إرادة الحب والإنسان، لتأخذنا إلى معانٍ جديدة من الإنسانية، تمنح أبطالها فرصة للصفح والنجاة حتى بعد الفناء.
نلتمس في معظم كتاباتك النظرة الفلسفية مع العمق في الأفكار، والعمل على جمالية اللغة، اللغة التي تبنيها بعناية فائقة، وهو خط رسمته منذ دخولك عالم الأدب والكتابة، فهل سنجد جمالية اللغة والحرف من خلال هذه الرواية الملحمية إن صح التعبير.
قويدر ميموني: بالطبع، جمالية اللغة تشكل جزءًا أساسيًا من تجربتي الأدبية، و”ما لا يخفيه الظلام” ليست استثناءً من ذلك. في هذه الرواية، أسعى إلى خلق عالم لغوي غني ومؤثر، يبرز كثافة الأفكار الفلسفية العميقة ويعبر عن المشاعر المعقدة لشخصياتي كما لا يهمل الأسطرة كعنصر فعال ومحرك لدواليب السرد. .
لقد حرصت كالعادة على استخدام لغة تلامس الروح، وتعمل على بناء صور جمالية فنية ترتقي إلى العمق، المراد. كما أسعى إلى تقديم نصوص تتجاوز الحدود التقليدية للكتابة، لتخلق تجربة قرائية تأخذ القارئ في رحلة حسية وعقلية.
كما أؤمن بأن اللغة ليست مجرد أداة للتعبير، بل هي وسيلة لخلق عوالم متكاملة، يمكن للقارئ من خلالها استكشاف معاني جديدة. لذا، يمكن القول إن “ما لا يخفيه الظلام” ستكون منبرًا متجددا لتجسيد تلك الجمالية اللغوية، وتأملات فلسفية تتفاعل مع الأحداث والشخصيات، مما يمنح القارئ تجربة أدبية فريدة ومثيرة.
معرض الكتاب الدولي سيلا 2024 ستدخله هذه المرة بجديدك الروائي، فما مدى أهمية هذه المناسبة الأدبية في تقريب الكاتب من قرائه وعالمه الفكري والورقي الجميل؟
قويدر ميموني: معرض الكتاب الدولي “سيلا 2024” يمثل منصة استثنائية للكتّاب والقرّاء على حد سواء، وهو فرصة ثمينة لتقريب الفكر الأدبي والثقافي من الجمهور. بالنسبة لي، دخول هذا المعرض بروايتي الجديدة “ما لا يخفيه الظلام” يعد تجربة فريدة تتيح لي التواصل المباشر مع قرائي، وتبادل الأفكار والرؤى حول الكتابة والأدب.
علاوة على ذلك، فإن التفاعل المباشر مع القراء يسمح لي بفهم تجاربهم وتوقعاتهم، مما يعزز تجربتي ككاتب ويساهم في نمو رواي وأعمالي المستقبلية. إن وجود “ما لا يخفيه الظلام” في هذا المعرض يسهم أيضًا في تعريف الجمهور برواية تحمل أبعادًا إنسانية عميقة، ويتيح لي فرصة استكشاف وقعها وكيف يمكن للأدب أن يساهم في توسيع آفاق الفكر والفلسفة ومعنى الحياة.
في النهاية، يعد “سيلا 2024” حدثًا يجمع بين الفن والإبداع، مما يجعله علامة بارزة في رحلة الكاتب، ويعزز من دور الأدب في المجتمع.
ماذا بعد «ما لا يخفيه الظلام»، هل لك مشاريع أو مخطوطات تنتظر النشر على الأفق القريب؟
قويدر ميموني: بعد “ما لا يخفيه الظلام”، لدي مشاريع عدة تتبلور حاليًا، تحمل رؤى جديدة وتجارب مختلفة متناغمة مع مساري الأدبي. أعمل على كتابة رواية تستلهم كالعادة أبعادًا فلسفية ونفسية عميقة، مع تركيز أكبر على تطوير الحبكة والشخصيات بأسلوب يعكس تجارب إنسانية معقدة، وقد بدأت بالفعل في رسم خطوطها العريضة.
إضافة إلى ذلك، صرت أميل إلى كتابة المقالة، ولدي مشاريع أطمح من خلالها إلى استكشاف زوايا أخرى من التعبير الأدبي، ولعلها تسلط الضوء على قضايا وتجارب لم تُطرق بالشكل الكافي. بالطبع، أتطلع أيضًا إلى التوسع نحو مشاريع أدبية أخرى، وربما خوض تجربة تحويل بعض أعمالي إلى أعمال سينمائية، لفتح آفاق جديدة للتواصل مع جمهوري.
إنني أرى في هذه المشاريع امتدادًا طبيعيًا لمسيرتي، وجهودًا أخرى تساهم في تعزيز الرصيد الثقافي والأدبي العربي، بأفكار ومضامين تعكس عمق التجربة الإنسانية.
كلمتك الختامية.
قويدر ميموني: كلمتي الأخيرة هي كلمة شكر وامتنان لكل قارئ يجد في كلماتي ما يلامس وجدانه وما يُضيف ولو شيئا يسيرا لتجاربه الإنسانية. الكتابة ليست إلا رحلة نعيد فيها اكتشاف ذواتنا وتقصي أغوار العالم من حولنا. آمل أن تكون رواياتي نافذة للمعنى والجمال، وأن تلهم القارئ للتساؤل والتأمل. أشكر كل من رافقني في هذه الرحلة الأدبية، وأؤمن بأن المستقبل يحمل المزيد من الأسرار