من امثال العرب “ويل للشجيِّ من الخليِّ”

✍🏻 محمد مسفر الأكلبي :

يقال هذا المثل لمن ابتلاه الله بصاحب لا يهتمُّ بآلامه،و لايعتني لاموره ولا تشغله همومه، فهو يحكي له أرزاءَه ومشاكله، لكن الصاحب خلوٌ من كلِّ هذا، وذهنه فارغ من كلِّ همٍّ.

وفي هذا يقول الشاعر الحكيم أبو تمام:

أيَا ويلَ الشجيِّ مِن الخليِّ
وبالي الرَّبع من إحدى بليِّ

“والمعنى ويل للشجيِّ مما يمنى به الخليُّ، ومن الرَّبع البالي من إحدى نساء بليِّ، وبليُّ هو حيٌّ من قضاعة، وإنما قال ذلك؛ لأنَّ الخليَّ يلومه ويعنِّفه، والربع يشجوه ويشوقه”.

ويقال أيضًا لمن جعله الله بين قومٍ لا همَّ لهم إلا معاشُهم وقوتهم، ولا يتطلَّعون للأمور العظيمة، فهو يدعوهم إليها؛ لكنه يخاطب أمواتًا؛ فلا يُسمَع نداؤه.

وفي هذه النصائح ما فيها من دعوة إلى كتمان الشهادة، وإلى عيشة البهائم، ولا شك أنَّ الإنسان الحرَّ لا يرضى بهذه الدونيَّة والدودية والسفحية الذليلة، بل إنَّ هذه النصائح كانت تُعتبر في زمن العزَّة الإسلامي سُبَّةً يستحقُّ صاحبها السجن، أو قطع اللسان كما في قصة سيدنا عمر مع الحُطيئة وخَصيمِه الزبرقان، وخلاصتها أنَّ الحطيئة هجا الزبرقان بن بدر فقال:

دعِ المكارمَ لا ترحَلْ لبُغيتِها
واقعد فإنك أنت الطاعمُ الكاسي

فشكاه الزبرقان إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: لا بأس إنما هي معاتبة، أَمَا ترضى أنْ تكون طاعمًا كاسيًا؟ وذلك أنَّ الأمر استشكل على سيدنا عمر، فلمَّا أصرَّ الزبرقان على أنه تنقيص وهجاء، استعان عمر رضي الله عنه بأهل الصنعة، فقدم إليه حسان بن ثابت، فلما سمع مقالةَ الحُطيئة قال: لم يهجه ولكن سَلَحَ عليه، والمعنى تغوَّط عليه، كناية عن شدَّة الهجاء، فعزم سيدنا عمر على قطع لسان الحُطيئة، لولا أنَّه قدَّم من الأعذار ما جعل عمر رضي الله عنه يتراجع عن ذلك، على ألا يعود إلى أذية الناس بلسانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى