استمتع بحياتك اليوم

✍️ صالح الريمي :

سمعت أحدهم يقول: جاءتني هدية وأنا صغير، عبارة عن حذاء جميل – أجلّكم الله – فقررت تأجيل لبسه إلى أن يأتي العيد، بعد تسعة أشهر لكي أظهر أمام الأولاد وأنا مختلف عنهم، ولما جاء العيد وجدت أنه أصبح ضيقًا على قدمي، وبدل أن أفرح حزنت كثيرًا. هذا المثال ينطبق على كل شخص بخيل على نفسه وعلى عائلته ومن يحب..
لذا أجدني دائمًا استغرب من بعض الآباء المقتدرين ماديًا أن يبخل عن العطاء والصرف على أقرب الأقربين له وهم أولاده وذريته، ويحرص دائمًا على التظاهر أمامهم بأنه لا يملك شيئًا، وليس عنده من المال ما يعطيهم منه، وكأنه ينتظر منهم أن يعطوه ويتصدقوا عليه، ثم تجده يُغلق نفسه بالبخل، ويكتم الخير الذي رزقه الله به على عائلته، ويعش حياة دنيئة ذليلة بسبب عدم إظهار نعمة الله عليه وعلى عائلته..
قال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، أي حدث بنعم الله عليك على الإطلاق، فإن التحدث بنعم الله، داع لشكرها، وأهل الكفاح أحيانًا يشغلهم كفاحهم عن أنفسهم وعائلاتهم بالاستماع بالحياة.

التقيت بأحد المتابعين قبل عدة سنوات، وكانت حالته المادية على قد حاله كم يقال، ثم رأيته قبل عدة أيام، ورأيت أثر النعمة عليه بدايةً من سيارته الفارهة وملابسه المتناسقة، فقد تغيرت حالته المادية للأحسن والأفضل، فقلت له حدثني عن أخبارك وعلومك، فقال أذكر لك قصتي بإيجاز، كنت موظفًا في إحدى الشركات براتب خمسة الآلاف ريال، والبكاد هذا الراتب يكفيني أنا وعائلتي من التزامات مالية واقساط ومصاريف، بالرغم أن والدي لديه كما كنت أظن محله الصغير وعمله الخاص البسيط الذي يكفيه مؤونة السؤال ويقضي حاجته ومصاريف العائلة، وقدر الله وفاة الوالد بمرضٍ لم يمهله ثلاث أيام..
وبعد الإنتهاء من الصلاة والدفن والعزاء اتصل بي محامي، يقول: مر عليّ مكتبي لكي اسلمكم أملاك الوالد بحكم أنا الإبن الأكبر، فقلت له: لا أعلم عن ماذا تتحدث؟ فأنا أعلم أن لدى الوالد رحمه الله فقط محلًا صغيرًا بالكاد يصرف على والدي واخوتي، وأنت تقول أملاك والدك، فقال تعال وسأخبرك بكل شيء.

وعندما وصلت مكتب المحامي بدأ يشرح لي عن العقار الفلاني والأرض الفلانية وعن أرقام الحسابات البنكية، فقلت له لعلك تمزح معي! فأنا أعرف حال والدي، فليس لديه ماذكرت؟ ولم يخبرنا بشيء قبل وفاته! فاظهر لي المستندات والعقود التي تثبت صحة كلامه، فدخلت في نوبة إغماء لا أعلم هل هي فرحة أم عن حزن على حال والدي الذي لم يستمتع بحياته ويمتعنا معه؟ لا أقول إلا سامحك الله يا والدي وغفر لك..
استلمنا الميراث وتم توزيعه علينا أنا واخوتي وأمي من البنين والبنات، وتغيرت حالتي المادية من موظف يستلم راتب إلى صاحب عقار يستلم الإيجارات، سبحان الله مغير الأحوال من حال إلى حال، انتهت القصة ولكم التعليق!

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لَا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ)، لقد أجاز لها النبي صلى الله عليه وسلم الأخذ من مال زوجها؛ لأنه قد بخل عن النفقة عليها وعلى أولادها الصغار، وقال لها بصريح العبارة: “خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ”..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ)، وفي رواية أحمد يقول عليه الصلاة والسلام: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ، وَلاَ سَرَفٍ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ).

*ترويقة:*
اجعل من وجودك سعادة لمن حولك، اجعل الخير الذي رزقك الله به سعادة لك ولأهلك، ما الفائدة من أن يصرفوا ما ادخرت بعد وفاتك وهم ساخطون وأنت لم تستفد منه لأنه أشغلك بجمعه؟. لا تؤجل سعادتك بالبخل على كل محتاج، سواء بمال أو مساعدة أو زيارة أو تفريج كربة، فوالله إنها السعادة التي لا تضاهيها سعادة.

*ومضة:*
استمتع بحياتك اليوم، فالبارحة قد فات، والغد قد لا ياتي أبدًا، فالحياة كالثلج استمتع بها قبل أن تذوب، لذا استمتع بحياتك ومالك وصحتك وأولادك قبل فوات الأوان، ولا تؤجل الاستمتاع بحياتك ونعمة الله عليك، فأتعس الناس من عاش فقيرًا ومات غنيًا.

 

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى