زردية ومفك،الوجه الآخر لحرب السودان
وجه الحقيقة
✍️ إبراهيم شقلاوي :
كما حدثتكم من قبل بأن السودانيون مغرمون بالجديد ، يبحثون في جميع الأوقات عن الدهشة والفكرة المختبئة خلف المعاني والسطور، يترصدون الأحداث والاخبار والأسرار بذكاء يحسدون عليه، يبدو أن هناك من أكتشف هذه الخواص فأصبح يقدم من خلالها رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ضمن إطار جماهيري مبدع يكسبه كل يوم مساحات جديدة في قلوب الناس على طريقة السهل الممتنع ، بالطبع هذا الملمح لا يتبدي إلا لأهل الإعلام من منطلق معرفتهم ربما المتخصصة في صناعة الشخصية التي تقود الجماهير ، هذه التدابير التي تتم بذكاء كإجراءات متدرجة تساهم بقدر كبير في صناعة القادة والشخصيات الإجتماعية أو العسكرية و السياسية من خلال ربط مايقومون به من تصرفات وأحاديث بالوجدان والمزاج العام وهي درجة من درجات صناعة المحتوى الإعلامي التي تعمل على إبداع الشخصيات الملهمة.. حتى تصبح أقوالها وأفعالها مناط إهتمام الناس، بما تلامسه من وجدانهم ومزاجهم، فتصبح الأقوال والأفعال سلوك تمضي بها الركبان(ترند).. المتابع للأحداث يلاحظ أن هناك صناعة مدهشة للرئيس البرهان يجري العمل عليها بصورة جذابة ومؤثرة وهذا جيد وهو جزء من معركة السودانيين مع التمرد فالحرب ليس مواجه عسكرية في ميدان القتال فحسب بل هناك حرب أخرى تستخدم فيها أدوات مختلفة لتحقيق الانتصار ، المتابع منذ حديث الرئيس البرهان قبل الحرب عن كيف يحافظون على البلاد من الانزلاق إلى الفوضى وأن مايقومون به من تدابير يتطلب طول بال وحكمة، قال نحنا شغالين نحفر بالإبرة، يومها الناس ضحكت كثيرة وأصبحت المقولة (ترند) وظلت الإبرة تعبر عن التعامل مع الأحداث المتسارعة كناية عن الحكمة وعدم تعجل النتائج، بعدها حدثت الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي بعد فشل إنقلاب قوات الدعم السريع المتمردة المدعومة ببعض القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لترتيب السودان وفقا لمصالحها مع بعض الانتهازيون من الأحزاب السياسية المحلية ، بالرغم من ما كان يجري من حرص لتفويت الفرصة على أندلاع الحرب .. لأن نتائجها ومآلاتها كانت معلومة للجميع، لذلك قيادة الدولة في مجلس السيادة من العسكريبن وقيادة أركان الجيش تجنبت وقوعها لدرجة أن قائد التمرد أصبح منفردا بالقرار ومتحكما في البلاد كما قال بذلك القائد أركو مناوي. ،بالعودة لموضوع مقالنا حين خرج الرئيس البرهان من القيادة بعد أن كان محاصرا.،كانت تلك العملية البطولية الفدائية التي قامت بها القوات الخاصة واستخبارات الجيش محل إعجاب من الشعب السوداني كانت مبعثا للأمل في بقاء الدولة وتحكم الجيش.. لذلك كانت رسالة البرهان التي اشتغل على صناعتها ذلك الذي يدير صناعة الشخصية في( كوب الشاي والزلابية) التي تناولها بتلذذ وسط الجماهير في تلاحم مدهش عبر عن التفاف الشعب السوداني حول القيادة، كانت أبلغ رسالة عن نجاة السودان من المؤامرة، ظني أن تلك الصورة التي أصبحت (ترند) بعد أن طالب الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي قائد التمرد أن ياتي بمثلها في إشارة إلى خبر مقتله في الآيام الأولى للحرب والذي لم تخرج جهة موثوقة لتأكيده او نفيه حتى اللحظة.. بدأ الرئيس البرهان في ذلك المشهد مرتاحا ومسيطرآ وشاكرآ للقوات التي أنجزت مهمتها باخراجه بكفاءة عالية.. كانت هي الصورة والرسالة الأولى في إنتقال الدولة من الحصار الي إستعادة التحكم والسيطرة وقد فهم العالم تلك الرسالة المفاجأة للجميع، الذين كانوا يعملون على أن يظل الرئيس محاصرآ.. لأجل تنفيذ تلك الخطة الشيطانية المعدة مسبقا عبر الظهير السياسي للتمرد بإعادة حمدوك إلى تسلم مقاليد أمر الدولة باعتباره صاحب شرعية الشارع يمثل آخر حكومة.. بدعوى إنقاذ البلد من الفوضى والانهيار، في ظل غياب كل مؤسسات الدولة من رأسها إلى أدنى وزرائها جراء مفاجأه الإنقلاب ، لكن مثلما كانوا يعملون يخططون كانت هناك جهات وطنية تخطط أيضا تعمل بذكاء وخبرة ليس كخبرة الناشطين، إنها خبرة أهل السودان الذين يعشقون تراب هذا البلد في عزة وكبرياء.،أيضا تذكرون قبل خروج البرهان من القيادة ظهر في إجتماع هيئة الأركان وهو ممتشق سلاحه مع مظهر عسكري ميداني مكتمل التفاصيل.. قال للمجتمعين وهو يحييهم (ناس الشجرة بسلموا عليكم) سرعان ما إلتقط الناس التعبير وجعلوه (ترند) ومضوا في تفسيرات متباينة بين الشجرة التي ترابط فيها بجسارة مدرعات الجيش والشجرة التي قال عنها قائد التمرد أنه يتحدث منها للفضائيات، وهنا تجلى بوضوح لمن يجيدون قرأ التفاصيل المقارنة بين الآلة الإعلامية الذكية التي تصنع المحتوى وتقدم قائد الجيش وتجعل مقولاته (ترند) وبين الآلة الإعلامية الكذوب التي اعتمدها التمرد.،ثم مضت الأحداث على هذا النسق المعبر عن كسب النقاط في الحرب وتوصيل الرسائل عبر الجماهير، جاء بعدها حدث مهم بعد تحرير الإذاعة التي حتمت على الرئيس البرهان زيارة سلاح المهندسين ومخاطبة جنرالات الجيش مبديا رأيه في إدارة العمليات وطريقة التعامل الميداني مع القوات المتمردة قال لهم العمل جيد ومتقدم لكن المشكلة (مابدبلوا ليهم) إلتقط الناس التعبير الذي وضع أمامهم ومضوا به بين جلسات الحديث والسمر والامتاع والمؤانسة حتى أصبح هو الآخر (ترند)، هكذا مضت الأحداث وتطور مشهد العمليات، بالأمس عاد الرئيس البرهان إلى واجهة (الترند) بقوة عبر حديثة المقتضب في أرض الطابور وهو يتفقد القوات قال: ماعندنا كلام عندنا (زردية ومفك) ثم أشار بكلتا يديه مقدما واحدة أعلى الأخرى لما معناه (قرط على كده) وهو تعبير محلي يعني حصار التمرد في كل المواقع أو ربما كثافة نيران دون أن يترك للتمرد فرصة لالتقاط الأنفاس. ،هذا المشهد أشبه بالدرامي ظني أنه لم تصنعه الصدفه بقدر ماصنعته خبرة إعلامية تعني بصناعة المحتوى وتقديم القادة في قالب نابض بالحياة لذلك أكاد أجزم أن وراءه آلة اعلامية واعية تعرف كيف تكسب نقاط الحرب في جانب التوجيه المعنوي من خلال الأفكار الجاذبة للجماهير، من المعلوم أضحت الإعلام الذي يدار عبر مواقع التواصل الإجتماعي لاعباً رئيساً في المواكبة الإعلامية للعمليات الحربية، عبر تلك المواقع يتم تجييش كتائب إلكترونية وطنية تكون معنية برفع الروح المعنوية للمقاتلين تبشر بانتصاراتهم و الإطراء على مواقف القيادة، وتقديمها في قالب محبوب جاذب لتفاعلات الناس كما أنها تعمل أيضا على نقل الأخبار المفرحة ، لذلك ستستخدم كل المزايا التي تتيحها شبكة الإنترنت وتطبيقاتها، وكل الأساليب الدعائية الجيدة التي تدعم فكرة كسب النقاط ، وبذلك يصبح أداة من أدوات القتال المهمة والموثرة في تغير اتجاهات المعارك.، مع ذلك يظل وجه الحقيقة في أهمية ادراك أن ذلك لاينفصل عن دور الإعلام في بناء السلام وبسط الأمن وتكريس قيم الحوار والتعايش السلمي، فقد ظللنا ندعوا دائما الي أهمية أن تمضي القوات المتمردة إلى تنفيذ إتفاق جدة للترتيبات الأمنية والإنسانية الموقع في 11 مايو من العام الماضي لأجل حقن دماء السودانيين وإستعادة الأمن والسلام..ثم الانتقال لاستفتاء الجماهير حول الحكم.
دمتم بخير وعافية.
الإثنين 30 سبتمبر 2024 م. [email protected]