هل يتعلم أهل اليُسر والثراء

✍️ صالح الريمي :

أعرف ‏‎بعض متوسطي الدخل ذو رواتب بسيطة يحسبهم الجاهل أغنياء بسبب كثرة عطائهم وبذلهم في مساعدة المحتاجين والفقراء، وأعرف من الأغنياء يحسبهم الجاهل فقراء بسبب شدة حرصهم وبخلهم وقت الحاجة، و‏بعض الفقراء يحسبهم الجاهل أغنياء من “التعفف”، وبعض الأغنياء يحسبهم الجاهل فقراء من “التأفف”..
أروي لكم قصة إحسان لطيفة، نقلتها من كتاب “طرائف ومسامرات” للدكتور محمد رجب البيومي، يقول فيها: حدثني صديقي قائلًا: كنتُ أبعثُ خادمةً فقيرةً تشتري لي كيلو من البرتقالِ في أيامٍ مختلفةٍ، حين تأتي إلى المنزلِ للخدمة في الأسبوع مرة، فلاحظتُ أنها تحضرُ كميةً من البرتقالِ تزيد نصف كيلو عن المطلوب والثمنُ واحدٌ.

وتكرر هذا بصورةٍ لافتةٍ، فرأيتُ أن أتتبع الأمرَ فذهبتُ إلى بائعةِ البرتقالِ وهي امرأةٌ فقيرةٌ أيضًا، وقلتُ لها: إن فلانة تأخذُ منك كميةً من البرتقالِ أكثر من الوزن المطلوب، فقالت البائعةُ في هدوءٍ: فلانة امرأة فقيرة وتربي أطفالًا، فإذا اشترت مني شيئًا فأنا أعطيها فوق ما تطلب بكثيرٍ، نحن الفقراء يجب أن يستر بعضنا بعضًا. لقد ظنتْ البائعةُ أن الخادمةَ تشتري البرتقالَ لأولادها، فجعلتْ تعطيها أكثر من حقها، ولم تُرِدْ أن تُشعرها بما تفعل كيلا تُحرجها..
قلتُ في نفسي حين سمعت هذه القصة:
يا الله!. بائعةٌ فقيرةٌ لا تبلغ ما يقوم بأَوَدِها إلا بالكدِّ والتعبِ، تعرف المشترية المسكينة فتتصدق عليها دون أن تحس بفضلها، وترى ذلك واجبًا عليها يتكرر كلما حضرت للشراء!. وعند بعض الأغنياءِ من تمْدُّ إليهم الأيدي المسكينة المرتجفة سائلةً بعضَ القوتِ الضروري فلا تجد غير الطردِ والازدراء.

*لمحة إنسانية:*
من المعاني التي لمستها عند أحد أصحاب الدخل المحدود معنى الرحمة الإنسانية بمعناها الأكثر شمولية وعمقًا، ما أن تعرض عليهم حالة فقير محتاج إلى المساعدة إلا أجد مبادرًا ولو بشيء بسيط، قائلًا: أرجوك لا تنسى أن ترسل لي أي حالة تمر عليك حتى لا تحرمني الأجر..
جميل أن تبادر بفعل الخير، وأن تحب مساعدة الآخرين، وأن تؤمن بإنسانية الإنسان، وأن تثابر وتعارك نفسك التي تريد منك أن تميل كل الميل حتى لا تفقد روحك الإنسانية، وهذا أمرٌ لا يستطيعه غير قلة نادرة من البشر، جعلني وإياكم الله منهم.

*ترويقة:*
‏‎أعرف بعض ذوي المصائب الكبيرة تحسب أنهم لم يمرّ بهم همّ قط لبشاشتهم وتبسّم وجوههم، وتحسبهم أغنياء من السخاء والكرم، كما أن بعض من لم يمر بحياتهم سوى عثرات يسيرة تحسبهم يحملون هموم الثقلين لكثرة تقطيبهم الجبين وكآبة وجوههم، وقد لاحظت هذه المفارقة في الناس مرارًا وتكرارًا.

*‏‎ومضة:*
هل يتعلم أهل اليُسر والثراء؟! من قوله تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى