ثقافة الزعل
✍️عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
قرأت في بعض المواقع أن مشكلتنا أننا نترك وسائل تعبيرية كثيرة ونختزل ردود فعلنا دائماً بالزعل،
وللأسف كثير من الذين يملكون نضجاً عقلياً لا يملكون نضجاً انفعاليا، فيتعاملون مع المواقف التي تغضبهم بطريقة لا تليق بعقولهم الناضجة،
فالزعل هو ردة الفعل الوحيدة لأتفه المواقف…
والبعض لا يعبر عن احتياجاته بشكل مباشر فيبحث عن الزعل لكي يلهث الآخر في البحث عن الاحتياجات، وبعضنا يهرب من الخطأ الذي ارتكبه بافتعال زعل لأي سبب، ولا تعجب أن ترى من يبحث عن الزعل ليحصل على شهوة الاسترضاء.
إننا بحاجة إلى إعادة صياغة الثقافة التي نتعامل بها مع خلافاتنا، وأن نرفع من اللياقة النفسية بتحجيم الزعل في حياتنا إلى حدوده الدنيا.
فهذا حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام يخرج من حجرة عائشة ليلاً فتلحق به ورياح الشك تدفعها وتوهمها بأنه خرج لإحدى نسائه، فتكتشف أنه يزور المقبرة داعياً لأصحابه، فترجع بسرعة لكيلا يفتضح أمرها، ويدخل عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ونفسُها ثائر وهي تتظاهر بالنوم، فيسألها النبي فتنكر، ثم يحاول، فتعترف له الزوجة التي شكّت في زوجها، واقتصرت ردة فعل النبي على وضع يد حانية على صدرها مع دعاء من محب وجملة عتاب قصيرة وينتهي الموقف في حينه.
رحم الله تلك العجوز التي تقول: (لا يُصبح الزعل عليكم) كناية عن المدة التي لا يجب أن يتجاوز فيها الزعل ٢٤ ساعة.
والرسول عليه الصلاة والسلام نهانا أن يمتد الهجر فوق ثلاثة أيام، ونجد بعض الأحباب من يجيد فتح ملف الزعل ولا يجيد إغلاقه.
فالمدد الطويلة لهذه الحالات من الهجر تتغذى على جمال أرواحنا وتفتك بابتسامات نفوسنا.
الصفحات السوداء عندما تنتهي حالة الزعل الأولى إحراقها، وإياك أن تُخزِّن هذه الصفحات في ملف تفتح أرشيفه مع كل حالة زعل جديدة، والمبادرة لإنهاء حالات الخصومة دلالة على اتساع القلب وقوة الحكمة، وليست مؤشراً على ضعف الشخصية وامتهان الكرامة.
فلا تخسر أجمل علاقاتك بأسباب توافه، وتأكد بأن الجميل سيرحل إن لم يجد الاحتواء الذي يرجوه.
وأن الصبر وإن طال سينفذ.
وأن الحياة لا تتوقف على أحد.
وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.