العيب قبل الحرام
✍️ أحلام أحمد بكري :
ثقافة العيب قبل الحرام في مجتمعنا الإسلامي العربي ، ثقافة قديمة ، مع الألفية الجديدة بدأت بالاندثار وذابت مع طغيان الشبكة العنكبوتية على مجتمعنا..
تربّينا على أن (النظرة) من الأم لأبنائها بمليون معنى ؛ “حديث صامت” لا تنطق الأم فيه بكلمة ؛ ولكن فيه من التوجيه والتعليم والإرشاد الشيء الكثير..
(النحنحه) من الأب هيبة ، شريعة حياة ، ناموس يُهتدى به..
الحياة (داخل الأسرة) بسيطة جداً غير معقدة ، حديث الوالدين ومزح الأبناء ، القرب الكبير فيما بينهم فكرياً ونفسياً وعاطفياً ..
دائماً في حالة اجتماع على مائدة الطعام أو أمام التلفاز ، يتناقشون في كل شيء ، حتى أثناء احتفائهم وترحيبهم بزائر ومشاركتهم اللحظات الحلوة معه..
كانت الأسرة كتلة واحدة تُدار من قبل الوالدين ، الأب يُربي وكذلك العمّ والخال والعمّة والخالة ، حكايا الجد والجدة دروس خبرة من العيار الثقيل..
عندما يخرج الأبناء للتعامل مع المجتمع الخارجي يصبحون (سفراء) يمثلون والديهم وأُسرهم ، بالمبادئ والأفكار والسلوك والأخلاق التي تربوا وتحلوا بها ، ويحسبون مليون اعتبار للوالدين في موقف ما ؛ قد ينعكس عليهم ..
( ما أروع أن أحمل بداخلي أن هذا حرام سيحاسبني عليه الله وهذا عيب ماذا سيقول عني أبي وأمي )..
ومن يُعارضني ويقول بمليء فيهِ ، إننا عشنا حياة فيها من الغلق وذوبان الشخصية واضمحلالها في الوالدين مع انعدام الحرية الشخصية وقلّة الاستقلالية ، أقول له (نعم) ، عشنا كل ما سبق ولكن عشناه (بحب) ..
.
كانت تربية الأم والأب تنتُج شخصية مصقولة ، تحمل المسؤوليات على عاتقها ، تحترم محيط الأسرة ، وعلى رأس هرمها الوالدين ، وهذا الاحترام تتلوّن به روحها وقلبها ..
شخصية الاتزان صفتها ، والهدوء ديدنها ، ذات ثبات ديني وأخلاقي وذات مبادئ لا يمكن الحياد عنها..
كُنّا ومازلنا نفرق ونميّز الحلال من الحرام ، على علم بحقوقنا وواجباتنا تجاه أنفسنا و الأسرة والمجتمع..
ذو بصيرة عميقة وخطواتنا حُسبت علينا ؛ لا من قبل أحد بل من تلقاء أنفسنا ،، نُدرك الخطأ قبل حدوثه ، نتجنبهُ ، واجهنا الحياة بكبرها ، وقعنا بالمصاعب وتجاوزناها ، خضنا المشاكل وتم حلها بكل هدوء ، لم يهزّنا أو يهزمنا شيء ؛ لدينا شخصيات قويّة ، نركل كل سوء يصادفنا ونرميه خلفنا ..
أين نحن الآن من ذلك وإلى أين وصلنا..؟!
الأُسر تنتج لنا الآن أبناء فيهم من الهشاشة الشخصية والفراغ العقلي والتشتت العاطفي الشيء الكثير ..
لم تعُد الأسرة تُربي وتتحاور وتناقش أبنائها ، الكل مشغول عن مسؤولياته الأساسية ببهرجة الحياة الزائفة التي تصلنا عبر الشبكة العالمية ..
الشبكة العنكبوتية هي التي تربي الآن ..!
لدينا أبناء في حالة هوس دائم بالمسلسلات الأجنبية ذات المدلولات السيئة ..
لامجال للحلال والحرام بمسلسل يدعوا للمثلية والانحلال أو مسلسل يدعوا للرذيلة والانحطاط الأخلاقي..
أفلام الكرتون الأنمي الداعية للإلحاد وإنكار وجود الله ، كارثة كبير ، للأسف غير مدركين لها الوالدين..
الألعاب الإلكترونية التي شكلت لنا شخصيات عنيفة عدائية عصبية لغة الحوار لديها الصراخ وهدفها بالحياة إقصاء الآخر ومحاربته والقضاء عليه..
بينما الهوس بالمشاهير المزيفين والممثلين العالميين ، وطريقة حياتهم السيئة وتصنعهم الزائف ؛ أوجد لنا شخصيات مادية فارغة همّها الأكبر إرضاء غرورها والتفكير في نفسها بكل أنانية..
ينشأ الأبناء على قدوات معوّقة مختلة ؛ في غياب سلطة الوالدين ، ضياع وتشتت ، ولا هوية ثابتة ، لا مبادئ لادين ولاعقل (انحلال وانسلاخ) من هويتنا الدينية والعربية ، -إلا من رحم ربي-..
كيف سيكوّن أسرة ، ويبني مثل هؤلاء الأبناء وطن..؟؟!!
ويا مشكك بطرحي ، أقول لك (الناتج) أمام عينك في الأسواق والمقاهي والشواطئ والاجتماعات الصغيرة والكبيرة ومقر العمل والاحتفالات الكبيرة ، مطروح أمامك في مواقع التواصل الاجتماعي على هيئة صور وعبارات (عنصريّة ، شتم ، قذف ، سب ، تشكيك ، تهديد ، تعدّي)..
تجده واضح بمجرد التعامل والتحاور مع الجيل الجديد ، وبمجرد ملاحظة سلوكهم والتعامل فيما بينهم ، للأسف ضاربين عرض الحائط بالعيب والحرام.