بين البادية والحضر

✍️عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :

قدم علي بن الجهم على المتوكل، وكان بدوياً جافياً، فأنشده قصيدة قال فيها:
أنت كالكلب في حفاظك للود
. وكالتيس في قراع الخطوب
أنت كالدلو لا عدمناك دلواً
. من كبار الدلا كثير الذنوب
فعرف المتوكل قوته، ورقة مقصدة، وخشونة لفظه، وأنه ما رأى سوى ما شبّه به لعدم المخالطة وملازمة البادية؛ فأمر له بدار حسنة على شاطىء دجلة، فيها بستان حسن، يتخلله نسيم لطيف يغذي الأرواح، والجسر قريب منه، فيخرج إلى محلات بغداد، فيرى حركة الناس ومظاهر مدنيتهم ويرجع إلى بيته.
فأقام ستة أشهر على ذلك، والأدباء والفضلاء يتعاهدون مجالسته ومحاضرته، ثم استدعاه الخليفة بعد مدة لينشده؛ فحضر وأنشد:
عيون المها بين الرصافة والجسر
. جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
فقال المتوكل: لقد خشيت عليه أن يذوب رقة ولطافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى