طاح الليل من مفكرة توفيق ومان / الجزائر
نقلها للافادة كمال فليج _ الآن نيوز
دراسة للشاعر الدكتور العراقي جبار فرحان العكيلي عن قصيدة الشاعر توفيق ومان ./ النائب الأول لرئيس اتحاد الادباء الشعبيين العرب .. و رئيس الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي
المرويات والملاحم . لم تعد مختصة بعالم أو زمن خاص . وانما مجريات الحياة وتنوع فعاليات التاريخ . سواء كانت على شكل منهج سردي ام منهج شعري . لذلك ينتهج الشعراء منهج الملاحم كتعبير عن تثبيت حقائق تاريخية . وفق الغضب الممنهج كأسلوب معارضة . بما فيه الوجع المستدام . انطلاقا من ضغوط الحاجات الإنسانية والسياسية وفق متغيرات الحراك العالمي . لحاجة العالم للتكييف الدولي تماشيا مع متغيرات الاتصال المعلوماتي . وايصال الأفكار والبرامج الحياتية .
الشاعر توفيق ومان .. من الشعراء الذين يفرغون شحنات آلامهم واحزانهم ورؤاهم على الورق شعرا واحساسا مؤثرا .كأداة لتنبيه العامة لما يجري من احداث .
وهنا نقول عندما يعجز الشاعر عن إيصال فكرته . يتجه اتجاها روحيا ومبدئيا لرموز الخلاص والمنقذ الحياتي
كي يطرح ما يشغل تفكيره . وبث هواجسه اليومية بشخص منقذ ما . أو مرجع ما . المهم في هذا هو طرح ما كان وما سيكون .
قصيدة ( طاح الليل ) هي صرخة بوجه الواقع المرير . وبيان شعبي يؤكد طروحات الشعب بمختلف اجناسه وألوانه وهوياته .
توفيق يوجه خطابه للشيخ المنقذ دون تسميته . أو التعريف بهويته . مكتفيا فقط بتشخيصه الهلامي والذاتي. وهو يستنجد به . ويطلب منه كشف موقعه كي يبث لوعته وشكواه بين يديه حينما رأى أن الظلام والليل قد استحوذ على كل سماء محيطه . حيث تنتشر العتمة الطاعنة بالألم ……
* طاح الليل ..
يا شيخي راني نحوس عليك
وين ارضك الخافية …. رد السلامة
يا كبير العشاق …. داويلي حالي
يقول الشاعر توفيق في شكواه ومناداته لشيخه . بأنه سقى نفسه وحاله بالمرض . بحيث أن الأوضاع القياسية والتي كانت سائدة كموقع وكمؤثر أيديولوجي سياسي وانساني . أصبح في خبر كان . وكل الذي كان في خلف ركب المسيرة . أصبح هو من يقود ويكسب ويحصد ما زرعه الأباء . وشلة المناضلين المجاهدين .لذلك اعتبرهم . قادة الكسب الجديد .
* رويت بالسقام …
والسحاب اللي كان ورايا.
صبح قدامي …
وحصد غلة هذا العام
ويؤكد أيضا لشيخه . إن الليل حل بنا وما عادت الشمس تشرق كما كانت . ولا حتى اصوات المجاهدين تسمع كما السابق .
بحيث أن كل ما يقال . أصبح لا يسمع .. وقلة هؤلاء المجاهدين الأقوياء . ضاعوا بزحمة الكثرة الفاسدة .
* كلام الليل زبده
وكي يطلع النهار يذوب
وهنا يؤكد الشاعر . بأن كل ما يقال ليلا . يختفي ولم يعد له وجودا في النهار . كما يقال في العراق …
( كلام الليل يمحوه النهار )
* ثم يردف قوله :
والزند المتين شده
وكي تكثر الوحوش مغلوب
وهذا ما يقابله أيضا في العامية العراقية ( الكثرة تغلب الشجاعة ) .ثم يتحسر الشاعر على ذلك الزمان الذي يعرفه الجميع . ويستذكر الرجال والقادة الذين كانت اسمائهم . تلهج بها العامة . ويحترمهم التاريخ بعد غفلة الضمير وغيابه الموجع .
* طاح الليل ياشيخي
والزمان رافد نامو …. وطلع النهار
وباقي الضمير في منامو
ثم يعرج بقصيدته للشأن العربي وفلسطين بالذات . وكيف يستشهد أطفالها وهم يلعبون . بحيث امعائهم لونت حيطان المبكى .بينما تناصر وتنجح حكايا الخونة والملاعين …..
* طاح الليل ….
ومصارن الصبي الملونة
تزين حيطان المبكى ….
وتظفر سوالف الملعونين
ويستمر الوجع اليومي . وتتقد القصيدة وتتصاعد وتيرة المطالبة والاستغاثة . حينما يصل الشاعر إلى أن يتكشف أمام شاشة الظلم الجائر . ويتعرى حتى عن أفكاره وهواجسه . ويتسائل إلى متى الصمت والقبول بهذه المظالم والاجرام ؟ ويحمل المنقذ سواء كان إنسانا أو حزبا أو حكومات كل ما يجري وهم يتغذون على موائد الصمت .
* يا شيخي العار عليك
راني بين يديك ….
راني جيت وكتافي عريانه
يا صاحب العمامة …. هات الكرامة
الشاعر توفيق هنا يفرعن ويؤسس لقانونية الصراخ اليومي والذي يملأ الأزقة ..
* الصراخ مشروع
فلا خطيئة . ولا جرم آدمي . حينما يمارس اخر جولات المعارضة والتصدي . الا وهو الصراخ بكل أنواعه ما دامه مشرعا ..
ثم يؤكد الشاعر لشيخه بأن الليل والعتمة قد حصلت وما عادت الشمس أن تشرق كما في مفهومنا النضالي لأنها أحاطت بكل شيء مضيء . فهو يتلاعب بشمسنا وبصحوتنا ..
* طاح الليل … وركب فوق
خيوط الشمس…. يظفر شعاعها
ثم يعرج الشاعر توفيق وبانتقاله جديدة . لغياب العادات والتقاليد العربية . وضياع هويتنا . وما عدنا نتباهى بما هو اصيل . حيث خسرنا اشيائنا التي كانت تمثلنا .والفنجان الذي كان يمثل رجولتنا أصبح مثلوما . ينسكب على الفم بطريقة مقززة غير محترمة …
* طاح الليل يا شيخي ..
وفرارة القهوة في فنجان مثلوم
مكبوب على فمو
ثم يستذكر الشاعر شهداء الأمة . شهداء الجزائر المليون ونصف شهيد الذين تغنت بهم كل شعوب الأمة العربية .
قد انباعت دمائهم . ولم يبق شيء منها غير الذكرى والدموع .
* المليون ونص …
ما زالت الأمة عليهم تبكي
كل شيء انباع !!!
ووفق هذه الرؤيا . يخبر الشاعر شيخه بأن الصهاينة المحتلين . أصبح هم من يخططوا . ويرسموا . ويقرروا لما يكون أو سيكون …
* وصهيون يرسم …
في لوحة زيتية فيها ..
اعمى وابكم
وهذه النظرة السوداوية لم تكن وليدة صدفة . إنما استمدها شاعرنا من تبدل وتغير الأوضاع . واختلاط الصح بالخطأ …
* والراية الخضرة …
كل يوم تزيد تسواد
وهذا ماكان مكتوبا في مقالات الإخوان . وما خطه المصير
* مكتوب في مقال
ويضحك المصير على هذا المأل
طاح الليل
هذا هو توفيق ومان .. اختار لأزمة شعرية ( طاح الليل ) بشكل جميل فهي لأزمة بقدر ماهي موجعة ومؤلمة . هي أيضا ممتعة في رسم لوحات شعرية راقية .تقترب وتبتعد من التاريخ والحاضر المعاش بترتيلة مغمسة بدموع . بث فيها إمكانياته الشعرية وتصوره التاريخي لسفر من النضال والجهاد . وما يمليه عليه ضميره الإنساني العربي ..
اختيار موفق وقصيدة راقية