احتكام الشعراء في عكاظ
✍️عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
حكي عن نابغة بني ذبيان أنه كانت تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ يجتمع فيها الشعراء، فدخل إليه حسان بن ثابت، وعنده الأعشى، وقد أنشده شعره، وأنشدته الخنساء قولها:
قذى بعينك أم بالعين عوار
. أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
وإن صخراً لتأتم الهداة به
. كأنه علم في رأسه نار
وإن صخراً لمولانا وسيدنا
. وإن صخراً إذا نشتو لنحّار
فقال: لولا أن أبا بصير أنشدني قبلك لقلت: إنك أشعر الناس، أنت والله أشعر من كل أنثى…!
فقالت: والله ومن كل رجل.
فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومنها.
قال: حيث تقول ماذا…؟
قال: حيث أقول:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
. وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرق
. فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما
فقال: إنك شاعر لولا أنك قلت: “الجفنات” فقللت العدد، ولو قلت: “الجفان” لكان أكثر.
وقلت “يلمعن في الضحى”، ولو قلت “يبرقن بالدجا” لكان أبلغ في المديح؛ لأن الضيف بالليل أكثر طروقاً.
وقلت: “يقطرن من نجدة دما”، فدللت على قلة القتل، ولو قلت “يجرين” لكان أكثر لانصباب الدم،
وفخرت بما ولدت، ولم تفخر بمن ولدك.
فقام حسان منكسراً منقطعاً…!