“روحيّة الإسلام المنفتح على الإنسانيّة في سُنن الهجرة النبوية ورأس السنة الهجرية”

✍️ د. منى رسلان :

كان خروج النبي محمد – رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة المنوّرة والتي سُمًي أهلها بالأنصار لنصرتهم رسول الله (صلّ الله عليه وسلّم)، ونُصرة من معه من الصحابة والمناصرين والمُجاهدين، في سبيل الله والإسلام، تبشيراً بأعمال الصالحين.
فأذن الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) بالهجرة ، بعد الاضطهاد الذي تعرّض له المسلمون في مكّة المُكرّمة، وتعذّر عليهم أداء شعائرهم الدينيّة بحريّة.
قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ *} (الأنفال: 30).

وجاء الخروج من مكّة إلى المدينة لمتابعة دعوة القبائل المختلفة لتعريفهم بالإسلام، الدين الحنيف، والالتفاف حوله والإيمان بالدعوة وبالمبادئ السامية؛ وتناول القرآن التَّنويه بالهجرة، إذ لفت النَّظر إلى أنَّ أرض الله واسعةٌ. بقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ *} (الزمر: 10)
ولقد بثّ رسول الله تعاليمه المجيدة، التي ساهمت في ازدهار المجتمعات. فالإنسان يسمو بمبادئه القويمة وأخلاقه الحميدة، وتعاونه وصبره على ذاته وعلى الآخرين، عملاً بمبدأ “التراحم”. {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104).
فهذا الدين الحنيف الّذي يسمو بتعاليمه المجيدة، والّتي تُساهم في تقدّم المجتمعات وتطوّرها؛ قد مارس فاعليّته من خلال العمل الحثيث على ترسيخ الفضائل الأخلاقيّة والعقائديّة والتربويّة، والقيم الإنسانيّة والمُجتمعيّة بين النّاس ، ونشر قيم التعاضد والتآزر الإنسانيين، وصان حقوق وحريّة الإنسان بإخاء ورأفة ومحبّة، هذا إلى جانب مبدأ التكافل الإجتماعيّ بانفتاح وتفهّم.
وبذا يكون الانفتاح الذي يهدف إلى التواصل من أجل العطاء الإنسانيّ، المعرفيّ والأخلاقيّ، هو جوهر حركيّة الإسلام في هِداية الناس إلى القيم الإلهيّة والأخلاقيّة، وقيم التسامح والتفاعل والترابط الإنسانيّ، صوناً للغنى المعرفيّ والثقافيّ والدينيّ والحضاريّ في عصر التطوّر الهائل والسريع في التكنولوجيا الرقميّة ووسائل التواصل الإجتماعي كافة، وفاعليّة التأثُّر والتأثير.

فلتكن هذه السنة الهجريّة المباركة، هجرةً نحو الترابط المُجتمعيّ إزاء كل الأهوال والمشاكل الّتي تجتاح الدول، والّتي تسعى إلى تقويض أُسس ودعائم الأوطان والمُجتمعات والتماسك الأُسريّ، والعمل الصالح في ما بيننا؛ ولتكن هجرة ميمونة نُغلّبُ فيها المُؤنس على المُوحِش، والخير والبركة على التقتير والاجحاف.
هي هجرة ميمونة، سوف تُبدّد بشعشعانيّة نورها، ظلاميّة الجهل.

مبارك علينا وعليكم بلوغ السنة الهجرية ١٤٤٦هـ
سائلين الله تبارك وتعالى أن يفيض علينا جميعاً برحمته الكونيّة اللا محدودة، في ظلّ الأوضاع السياسيّة المتأزمة والأحداث الدراماتيكية والصعبة جداً التي تعانيها غزّة و يختبرها وطننا الحبيب لبنان .
فلتكن هذه السنة الهجريّة المباركة، هجرةً نحو الترابط المُجتمعيّ… ولتكن هجرة نحو الإنسانيّ فينا، لنتراحم بالتقوى والمحبّة و… السلام.

وكل عام وأنتم بخير

*أستاذة النقد الأدبي والمنهجيّة في كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة – الجامعة اللبنانيّة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى