عذوبة الحياة

✍️ صالح الريمي :

التغافل ثقافة ومهارة لا يمتلكها إلا الأقوياء والنُبلاء ولا يُقبل عليها إلا كرام الأنفُس، عُظماء الأرواح، أهل الهِمة والسؤدد والطموح الشريف..
قبل أيام كنت في مجلس صلح بين شخصين كانت بينهم علاقة وصداقة حميمية، وما إن بدأنا بالسلام والجلوس حتى بدأ يردد أحد الخصمين قائلًا: (إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب)، ولن أتخلى عن حقي، وواحدة بواحدة والبادي أظلم.

أسألكم هل هذا مثل جميل؟
حتى نطبقه حرفًا حرفًا ونتخذه نبراسًا يضيئ لنا دروب حياتنا على حد زعم بعضنا، ولماذا في اتفه الأسباب نخوض حربًا ضروس لأجل دنيا زائلة؟ ولماذا نحول مجالسنا إلى صخب وضجيج وارتفاع أصوات؟!
كن أسمى وأرفع وأكرم أخلاقًا من أن ترد على من بارزك بالأذى، لا ترد، وإن رددت فبكلمة طيبة تطفئ بها لهيب العداوة، يا لروعة ثقافة خلق التغافل الذي يحظى ببشائر جزيلة من رب العالمين، تسعدك دنيا وأخرى، فبها يبقى ود حبيب، ويُحفظ قرب صديق، وتستمر صلة رحم، وكم بها يُدفع شر فتنة، وكيد خبيث، ومكر لئيم.

في كتاب الله ما هو أبلغ وأنفع وأزكى من ذلك كله، قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، آيات باهرات ورحمة للعالمين وبلسماً يداوي كل عليل ويعطي جو مفعم بالعذوبة والجمال..
أجمل الأخلاق هو خلق التسامح والتغاضي والتغافر والتغافل والتغابي، فتغافلْ وتعلَّمْ فن التغافلْ، اسمع وكأنك لم تسمعْ شيئًا، أنظر وكأنك أعمى لا تبصر شيئًا، لا تشتم من شتمك، لا تظلم من ظلمك، لا تضرب من ضربك، حكِّم عقلك، أضبط أعصابك، ألجم جام غضبك، أهدأ، تروى، تمهل، دع الأمور تمضي بسلام.

لا تدقق في كل شيء، لا تتوقف عند كل شيء، لا تجنح للتصادم، لا تُجرد سيف الخصومة، لا تكن سريع الثورة، لا تغضب، لا تسمح للشيطان أن يكون عونًا لك على أخيك، إذا كان علاج الإساءة إساءة مثلها، وعلاج الهجوم هجوم، وعلاج بذاءة اللسان بذاءة مثلها، وعلاج الركلة بركلة مثلها، ما الفرق إذًا بيننا وبين الأطفال، أو بيننا وبين السباع المفترسة.!
التدقيق في أتفه التصرفات قد يهوي بك إلى الحزن والتعاسة، لذا تغافل مرة وتغابى مرات كثيرة، فليس كل شيء يستحق الإهتمام ‎ولا تعطي الأمور أكبر من حجمها، إن رأيت أمامك حجر أرمي به خلفك وتقدم ما دام أن في الأمر مُتسعًا للتغافل والتغاضي والتفويت والصفح والسلام.

*ترويقة:*
من أراد ظلالًا وجوًا سحريًا تكتسي منه حياته بهجة وسرورًا يتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وهوَ قادِرٌ على أنْ يُنْفِذَهُ ؛ دعاهُ اللهُ سبحانَهُ على رُؤوسِ الخَلائِقِ يومَ القيامةِ حتى يُخَيِّرَهُ مِن الحُورِ العِينِ ما شاءَ).

*ومضة:*
أفلا يجدر بنا أن نتعلم وننشر خلق التغافل والتغابي!! قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

 

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى