المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية الشلف تستذكر في ندوة خصال و مواقف و نضالات الشيخ المرحوم الجيلالي الفارسي
محمد غاني _ الان نيوز
نظمت الثلاثاء 15 جوان 2024 المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية محمد مهدي لولاية الشلف بالتنسيق مع جامعة التكوين المتواصل و مديرة السياحة لولاية الشلف ندوة استذكر فيها عدد من الأساتذة المحاضرين حياة و خصال و مواقف الشيخ الجيلالي الفارسي الدينية و الوطنية و هو احد أعضاء جمعية العلماء المسلمين و أئمة و مؤسسي المدرسة الخلدونية بالشلف الاصنام سابقا و احد رواد العلم المشهود لهم بالكفاءة و الدراية في المجال العلمي و الفقهي بالمنطق و لدى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و الجزائر عامة فمن هو الشيخ الجيلالي الفارسي ؟
هو الشيخ المصلح الجيلالي الفارسي رحمه الله احد الأعلام المشهورين لولاية الشلف من المؤسسين لجمعية العلماء المسلمين سنة 1931 كما أنه من تلاميذ الشيخ ابن باديس رحمه ألله فإليكم هذه الترجمة التي هي من إنشاء أحد أحفاده حيث يقول أنه فارس بكل ما تشع به معاني الكلمة من ترفع عن الدنايا و رباطة جأش في الشدائد و الصمود عند مواجهة الختوم و الحكمة في الاهتداء إلى الأسلوب الضامن للانتصار .اختار لنفسه أن يحيا في الظل و يطمئن للجد و يتقيد بالواجب و ينفر من كل ما تتهافت عليه النفوس الضعيفة التي تلهث وراء التعاظم تحسبه عظمة من سمات النيل و مظاهر البطولة
مولده و نشأته : ولد الشيخ الجيلالي بن امحمد بن الميلود بن هني بن عدة في سنة 1909 في قرية الشرفة بأولاد فارس ولاية الأصنام ( الشلف حاليا ) من أب و أم شريفين من عائلة الولي الصالح المرحوم الشيخ سيد محمد الشريف، من ذرية الرسول صلى الله عليه و سلم، و نشأ في بيئة محافظة لا شيء أعز عليه من الإسلام و لا شيء أشد إثارة لرغبته في التمسك بمبادئه و التنافس في فهم أسراره و استخلاص حكمه و تطبيق ما جاء به عملا بالأمر و تجنبا للنهي ، حفظ القرآن الكريم حفظا جيدا ، استظهارا و رسـما و تجويدا و تلقى بعض المبادئ في اللغة و أصول الدين أعدته لمرحلة أعلى
رحلته مع طلب العلم و الواجب الوطني : تلقى أولى علومه الابتدائية على يد الشيخ الجيلاني بن طاهر الشريف و حفظ عليه علوم اللغة العربية كالأجرومية و ألفية ابن مالك، ثم انتقل إلى ناحية غيليزان بمسجد الشيخ بلوش و أعاد عليه القرآن عدة مرات ثم انتقل إلى ناحية البليدة ، وتلقى العلم من أفواه عدة مشايخ ، فكان ذلك شيئا ضئيلا بالنسبة لما كان يطمح إليه التحق بالإمام ابن باديس في قسنطينة فوجد فيه النبع الذي تعهد مواهبه بالرأي و الدليل الذي قاده في عالم المعرفة و فتح في وجهه أبواب اليقين فقام عقله و اتسع فكره و تفتحت نفسه الطيبة كوردة عطرة. و درس عنده تفسير القرآن الكريم و المفتاح للشريف التلمساني، ثم صار معينا له في التدريس و قد أشار عليه الشيخ بن باديس بالسفر إلى الزيتونة بتونس ، فقرأ عند عدة مشايخ كالشيخ معاوية و الشيخ فاضل بن عاشور ، و لكن لم تطل إقامته هناك و رأى أن ما يدرك في الزيتونة دون ما تطمح إليه نفسه من الشمولية و المعرفة و التعمق في الفهم و ذلك ما فعله زميله الفضيل الورتلاني فعاد إلى قسنطينة يغذي عصاميته ليلا و يسقي النفوس و ينمي العقول نهارا.
عودته إلى الشلف
حين جاءت الحرب العالمية الثانية بأهوالها، توفي الشيخ ابن باديس رحمه الله و امتدت يد الاستعمار إلى ذلك العقد من رجال الجمعية بسوء و إذا برجال سجنوا و آخرون فرضت عليهم الإقامة الجبرية.
عاد الشيخ إلى منشأه فتولى إدارة المدرسة الخلدونية في الأصنام و هي أول مدرسة تدرس فيها اللغة العربية و العلوم الدينية أثناء الاستعمار ، فواصل جهاده العلمي في الظل ، فكان ذلك النبع الفياض الذي يقبل عليه الواردون من كل حدب و صوب.
أثناء الثورة :
لقد كان الشيخ من الملبين الأولين لنداء الوطن فألقي عليه القبض ووضع في جحيم المعتقلات و الإرهاب هنالك في معتقل “بوسوي” الجهنمي بجبال الضاية ، ثم إلى الجنوب ضواحي ” بوغزول”، و بعدها وضع بالإقامة الجبرية حتى الاستقلال.و هو في السجن كان مدرسا حكيما يعرف كيف يوصل المعلومات إلى الأذهان و يدرب العقول على تحليلها .
داخل السجن : كان الشيخ الجيلالي الفارسي مع الشيخان الياجوري تقار و الثعالبي ، فلقد طالعوا أكثر من 20 كتابا من أمهات الكتب الدينية و الفكرية و الأدبية و السياسية و الفلسفية ،فكان (رحمه الله) صبورا على الدراسة متقد الذهن .سريع الفهم صائب الاستنتاج لا يفارقه الهدوء و لا يتسلل إليه القلق
بعد الاستقلال : تولى الشيخ الجيلالي الفارسي مسؤولية الإشراف على قطاع الشؤون الدينية بولاية الشلف حيث عين مفتشا جهويا للشؤون الدينية (الشلف- مستغانم – تيارت و معسكر) و لعب دورا كبيرا في تكوين الطلبة و الأئمة و كان يقدم دروسا في المسجد الكبير لمدينة الشلف حتى منتصف الثمانينات حيث ألزمه الفراش الذي امتص قوته و أفقده نعمة البصر ، و خلال هذه الفترة زاره الرئيس الأسبق للجزائر أ.بن بلة و المرحوم م. نحناح مؤسس حركة حمس. و من أعماله الباقية المعهد الإسلامي و كذا المدرسة الخلدونية.
و كان المرحوم يسكن ابسط منزل ذو غرف صغيرة و مطبخ صغير، بعد زلزال الأصنام 1980 ، حيث عاد إلى مسقط رأسه
وفاته : التحق بالرفيق الأعلى صبيحة 16 محرم 1415 هـ (26/06/1994) على الساعة 10:00 بأولاد فارس
الشيخ الفارسي و علاقته بالمدرسة الخلدونية بالأصنام سابقا :
تأسست المدرسة المسماة الخلدونية بالأصنام سابقا و الشلف حاليا في 27 رمضان 1944 م بدعوة من الأستاذ محمد البشير الإبراهيمي و بإشراف الشيخ الجيلالي بودالي الفارسي و هو أحد طلبة الشيح عبد الحميد بن باديس البارزين ، وأحد مساعديه في الجامع الأخضر بقسنطينة
بعد الحرب العالمية الثانية و خروج الشيخ البشير الإبراهيمي من منفاه ، شرعت جمعية العلماء في عهدها الثاني برئاسة الشيخ الإبراهيمي في بث الحركة و تأسيس المدارس و المساجد و النوادي في حركة دائبة و عمل متواصل و قد وصفه الشيخ الجيلالي قائلا ” إنه ما نزل في قرية أو مدينة إلا وولّدَ فيها مدرسة و ما غادرها إلا و ترك أهلها في ورشة بناء لما يمتاز به من الذكاء الخارق و التأثير العميق في الجماهير ، ومدرسة ابن خلدون في الشلف إحدى صنائعه و حسناته مثل سائر المدارس التي أنشئت في عهده بإيحاء منه و كان يقول رحمه الله : ” إنّنا أسسنا هذه المدارس بفضل الله ثم بمال الأمة علينا الرأي و التدبير و التخطيط و الإشراف ثم التنظيم و التعمير و على الأمّة ما وراء ذلك ، و من عادته أنه يثير الهمم و يخطط و يصمم و يهيئ الظروف الصالحة للإنشاء ، ثم يضع المشروع بين يدي من يعتمد عليه في التعهد و المراقبة و الإنجاز ، و هذا ما فعله مع الأستاذ الجيلالي الفارسي الذي اعتمده و حثه على مواصلة السعي ، و العمل الجاد من أجل إنجاح المشروع و بروزه إلى الوجود ”
ففي فترة و جيزة أنجز مصلحو مدينة الشلف مدرستهم و تمّ افتتاحها تحت إشراف جمعية العلماء في يوم 27 من رمضان عام 1944 م و كان الاحتفال الذي أقيم بهذه المناسبة فتحا مبينا على الأمة الشلفية ،التي وقفت كالرجل الواحد لمناصرة المدرسة و رعايتها و ظلّت تؤدي رسالتها في صمت و إصرار غير عابئة بالأخطار المحدقة بها من قبل السلطات الفرنسية و قراراتها الجائرة ضد التعليم العربي الذي تتبناه جمعية العلماء المسلمين الجزائرين
و إذا كان الشيخ الجيلالي يدير هذه المدرسة فعلا فإن عمله لم يكن قاصرا عليها و حدها فقد وجّه اهتمامه. إلى خدمة الأمة من الشباب و الطلبة و الكبار أكثر من اهتمامه بتعليم الصغار و في المدرسة من يحمل عنه هذا العبء من المعلمين كمحمد بونجار و إسماعيل جوامع و الجيلالي بن شهرة و محمد المحاجي و عائشة بسكري و فاطمة الزهراء و كان في المدرسة ثلاثة أقسام و عدد التلاميذ يربو على الخمسمائة تلميذ و تلميذة وزعوا على نوعين الملازمين و قراء الفرنسية ، علاوة على أقسام الكبار في التعليم الليلي.
في سنة 1954 نكبت الأصنام بالزلزال فتضررت المدرسة منه و أصبحت غير صالحة لممارسة نشاطها فانتقل جهاز المدرسة إلى مبنى خشبي تحصلت عليه الجمعية المحلية فقد كان سابقا مركز القضاء انتقل منه جهازه إلى بناية أعدت له
تابعت المدرسة مسيرتها في هذا المحل الجديد إلى أن توقفت بأمر من السلطات الفرنسية في سنة 1956 و القي القبض فيها على الشيخ الجيلالي